حديث أبي ثعلبة الخشني 11
مستند احمد
حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي، قال: حدثنا عبد الله بن العلاء، قال: سمعت مسلم بن مشكم، قال: سمعت الخشني، يقول: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي، ويحرم علي، قال: فصعد النبي صلى الله عليه وسلم وصوب في النظر، فقال: «البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه [ص:279] القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون»
على المَرءِ أن يَحرِصَ على فِعل الخَيرِ والبِرِّ، وأن يَبتَعِدَ عنِ المَعاصي والآثامِ، وقد جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ تَوضيحُ ما البِرُّ وما الإثمُ، ولَكِنَّ بَعضَ النَّاسِ قد يَشتَبهُ عليه مَعرِفةُ ذلك؛
ولهذا بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَيف يَعرِفُ الشَّخصُ البِرَّ مِنَ الإثمِ؛ فقد سَألَه أبو ثَعلَبةَ الخُشَنيُّ رَضِيَ اللهُ عنه فقال: يا رَسولَ اللهِ، أخبِرْني بما يَحِلُّ لي، ويَحرُمُ عليَّ، أي: ما الأشياءُ التي يَحِلُّ لي فِعلُها والأشياءُ التي يَحرُمُ عليَّ فِعلُها؟ فصَعِدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَوَّب في النَّظَرِ، أي: رَفعَ نَظَره إليه ثُمَّ خَفَضَه، فقال: البِرُّ ما سَكَنَت إليه النَّفسُ، أي: ارتاحَت له واطمَأنَّ إليه القَلبُ، والإثمُ ما لَم تَسكُنْ إليه النَّفسُ، أي: لَم تَرتَحْ له ولَم يَطمَئِنَّ إليه القَلبُ، وإن أفتاك المُفتونَ، أي: أنَّ ما حاكَ في صَدرِ الإنسانِ فهو إثمٌ، وإن أفتاه غَيرُه بأنَّه ليس بإثمٍ، فيَكونُ الشَّيءُ مُستَنكَرًا عِندَ فاعِلِه دونَ غَيرِه، وهذا إنَّما يَكونُ إذا كان صاحِبُه مِمَّن شُرِحَ صَدرُه بالإيمانِ، وكان المُفتي يُفتي له بمُجَرَّدِ ظَنٍّ أو مَيلٍ إلى هَوًى مِن غَيرِ دَليلٍ شَرعيٍّ، فأمَّا إذا كان مَعَ المُفتي دَليلٌ شَرعيٌّ فالواجِبُ على المُستَفتي الرُّجوعُ إليه، وإن لَم يَنشَرِحْ له صَدرُه. ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تَقرَبْ لَحمَ الحِمارِ الأهليِّ، أي: اجتَنِبْ أكلَ لَحمِ الحِمارِ الأهليِّ، نِسبةً للأهلِ؛ لكَونِها مُستَأنَسةً تَكونُ مَعَهم، بخِلافِ الحِمارِ الوَحشيِّ الذي يَنفِرُ مِنَ النَّاسِ، وكَذا كُلُّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ، وهو ما يَعدو بنابِه على النَّاسِ وأموالِهم كالذِّئبِ والأسَدِ والكَلبِ ونَحوِها
وفي الحَديثِ بَيانُ مَعنى البِرِّ
وفيه بَيانُ مَعنى الإثمِ
وفيه أنَّ القُلوبَ مُدرِكةٌ للبرِّ والإثمِ
وفيه النَّهيُ عن أكلِ الحِمارِ الأهليِّ
وفيه النَّهيُ عن أكلِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ