حديث أبي ثعلبة الخشني 6
مستند احمد
حدثنا علي بن بحر، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله يعني ابن زبر، أنه سمع مسلم بن مشكم، يقول: حدثنا أبو ثعلبة الخشني، قال: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:273] منزلا فعسكر، تفرقوا عنه في الشعاب والأودية، فقام فيهم فقال: «إن تفرقكم في الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان» قال: فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا، انضم بعضهم إلى بعض، حتى إنك لتقول: لو بسطت عليهم كساء لعمهم، أو نحو ذلك
حثَّ الإسلامُ على الاتِّحادِ والجماعَةِ، وذَمَّ الفُرْقَةَ والتَّفرُّقَ؛ فلم تَزَلِ الفُرْقَةُ صِفةً مَذمومَةً قديمًا وحديثًا، وهي سببٌ للفَشلِ والهزيمةِ والضَّعفِ
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو ثعْلبةَ الخُشَنيُّ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه "كان النَّاسُ"، أي: المسلِمون، "إذا نزَلوا منزِلًا"، أي: إذا كانوا في سَفَرٍ وأرادوا أنْ يَرْتاحوا مِن تعَبِ السَّفَرِ ويُقيموا في مكانٍ؛ لِراحَةِ إبِلِهم وخُيولِهم، "تفَرَّقوا"، أي: انتَشَروا ولم يَجتَمِعوا في مَكانٍ واحدٍ، "في الشِّعابِ"، أي: شِعابِ الجِبالِ؛ وهي الطُّرُقُ الَّتي وسَطَ الِجبالِ، "والأودِيَةِ"، وهي الأماكِنُ الواسِعَةُ بينَ الجِبالِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ تَفرُّقَكم في هذه الشِّعابِ والأودِيَةِ إنَّما ذلكم مِن الشَّيطانِ"، أي: إنَّ انتِشارَكم في هذه الطُّرُقِ والأماكِنِ الَّتي بينَ الجِبالِ وعدَمَ تجمُّعِكم في مَكانٍ واحِدٍ هو مِن وَسوسَةِ الشَّيطانِ وفِعْلِه علَيكم، "فلم يَنزِلْ بعد ذلك مَنزِلًا"، أي: فلم يَذهَبِ المسلِمون بعدَها إلى مَكانٍ، "إلَّا انضَمَّ بَعضُهم إلى بعضٍ"، أي: إلَّا اجتَمَعوا في مكانٍ واحدٍ ولم يتَفرَّقوا، "حتَّى يُقالَ"، أي: حتَّى يُقالَ مُبالَغةً مِن شِدَّةِ تجمُّعِهم وتَقرُّبِهم مِن بَعضِهم البعضِ: "لو بُسِط"، أي: لو فُرِشَ، "عليهم ثوبٌ"، أي: غِطاءٌ يوضَعُ عليهم، "لعَمَّهم"، أي: لغَطَّاهم جميعًا دونَ استِثناءِ أحَدٍ، والمقصودُ لو أرادَ أحَدٌ أنْ يُغطِّيَهم بغِطاءٍ لغَطَّاهم بثَوْبٍ واحِدٍ كلَّهم وكَفَاهم؛ لشِدَّةِ قُرْبِهم مِن بَعضِهم