حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه 44
مسند احمد
حدثنا حجاج، وهاشم، قالا: حدثنا ليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ابن (2) شماسة أن معاوية بن حديج مر على أبي ذر، وهو قائم عند فرس له فسأله: ما تعالج من فرسك هذا؟ فقال: "إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته ". قال: وما دعاء البهيمة من البهائم؟ قال: "والذي نفسي بيده، ما من فرس إلا وهو يدعو كل سحر فيقول: اللهم أنت خولتني عبدا من عبادك، وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده " (1) قال عبد الله بن أحمد قال أبي: "ووافقه عمرو بن الحارث عن ابن (2) شماسة "
جعَلَ اللهُ سُبحانَه وتعالى في الخَيْلِ خيرًا كثيرًا؛ فهي مِن أهمِّ أدواتِ الجِهادِ في قُرونٍ سابقةٍ عديدةٍ، ولا تزالُ كعاملٍ مساعِدٍ في التَّدريبِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما مِن فرَسٍ عربي"، المرادُ مِن الفَرَسِ: الذَّكَرُ والأُنثى مِن الخَيلِ، وقوله: "فرس عَرَبي"؛ قيل: إنَّه يَدُلُّ على أنَّ هذا الدُّعاءَ خاصٌّ بالفَرسِ العربيِّ فقط؛ لحِكمةٍ أو سِرٍّ لا يَعلمُه إلَّا اللَّهُ تعالى، ويَحتمِلُ أنَ يكون المرادُ اختِصاصَ هذا الدُّعاءِ باللَّفظِ العربيِّ؛ فلا يُنافِي أنْ يَدعوَ العجَميُّ باللُّغةِ العجَميَّةِ، وقيل: إنَّه اسمٌ دالٌّ على جِنسِ الخَيلِ وليسَ مُختصًّا بكونِه عربِيًّا، "إلَّا يُؤذَنُ له عِندَ كلِّ سَحَرٍ بدَعوتَيْنِ"، أي: يُلهمُه اللهُ الدُّعاءَ عنْدَ وقتِ السَّحَرِ، ومِصداقُ ذلك ما جاءَ في قولِه تعالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44]، والسَّحَرُ: قُبَيلَ طلوعِ الفَجْرِ: "اللَّهمَّ خوَّلْتَني مَن خوَّلْتَني مِن بني آدَمَ، وجعَلْتَني له"، أي: مَن صيَّرْتَني في مِلكِه مِن بَني آدَمَ، وجعَلْتَني له، "فاجعَلْني أحَبَّ أهلِه"، أي: بأنْ تقذِفَ حُبِّي في قلبِه، فأكونَ أحَبَّ أهلِه، وهذه هي الدَّعوةُ الأُولى، "ومالِه إليه"، أي: بأن يكونَ أحَبَّ ما يملِكُ مِن مالِه؛ لأنَّ الفَرَسَ مِن ضِمنِ الأموالِ، وهذه هي الدَّعوةُ الثَّانيةُ، "أو مِن أحبِّ مالِه وأهلِه إليه"، أي: شكَّ الرَّاوي في ترتيب المالِ والأهلِ في دَعوتَيْهِ.
وفي الحديثِ: الفَضلُ الَّذي اختُصَّ به الفَرَسُ عُمومًا، والعربيُّ منه خصوصًا.
وفيه: أنَّ الحيواناتِ يَحصُل منها الدُّعاءُ .