حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه7
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن أيوب، عن أبي العالية، قال: أخر عبيد الله بن زياد الصلاة، فسألت عبد الله بن الصامت، فضرب فخذي، قال: سألت خليلي أبا ذر، فضرب فخذي، وقال: سألت خليلي يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "صل لميقاتها فإن أدركت فصل معهم، ولا تقولن: إني قد صليت فلا أصلي " (1)
في هذا الحَديثِ يَحكِي عَمرُو بنُ ميمونٍ الأوديُّ فيقولُ: "قَدِم علينا"، أي: على أهلِ اليمَنِ "معاذُ بنُ جبَلٍ اليمَنَ" سنَةَ عشْرٍ مِن الهجرةِ، "رسولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلينا"، وهذا وصفٌ لمُعاذٍ بأنَّه رسولٌ أرسَلَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إليهم, "قال" عمرُو بنُ ميمونٍ: "فسَمِعتُ تكبيرَه"، أي: قولَه: اللهُ أكبَرُ رافعًا بها صوتَه، "معَ الفجرِ"، أي: قريبًا مِن وقتِ الفجرِ وقتِ السَّحَرِ، أو أنَّه مع أذانِ الفجرِ ودخولِ وقتِه، "رجلٌ أجَشُّ الصَّوتِ"، أي: وهو رجلٌ شديدُ الصَّوتِ، فيه غُنَّةٌ ونَغْمةٌ, "قال: فأُلقِيَت عليه محبَّتي"، أي: ألْقى اللهُ تعالى محبَّتي في قلبِه، "فما فارَقتُه"، أي: لَزِمتُه ولم أترُكْه، "حتَّى دفَنتُه بالشَّامِ ميِّتًا"، أي: حتَّى ماتَ بالشَّامِ فدفَنتُه بها, وقد دُفِن معاذٌ رضِيَ اللهُ عنه في شَرقيِّ غُورِ بَيْسَانَ سَنةَ ثماني عَشْرةَ من الهِجرَةِ.
قال عمرٌو: "ثمَّ نظَرتُ"، أي: تأمَّلتُ، "إلى أفقَهِ النَّاسِ بعدَه" مِن الصَّحابةِ، "فأتَيتُ ابنَ مسعودٍ، فلَزِمتُه حتَّى مات"، أي: صَحِبتُه أتَعَلَّمُ منه حتَّى وفاتِه، "فقال" عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "كيفَ بِكُم"، أي: ماذا تَفعَلون، وكَيفَ يَكونُ حالُكم وشأنُكم، "إذا أتَتْ"، أي: تأمَّرَتْ "عليكم أُمراءُ"، "يُصلُّون الصَّلاةَ لغَيرِ ميقاتِها؟"، أي: وَقتِها المختارِ لا وَقتِها الحقيقيِّ، "قلتُ"، أي: قالَ ابنُ مسعودٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فما تَأمُرُني إنْ أدركَني ذلك يا رسولَ اللهِ؟"، أي: ماذا أفعَلُ إذا كنتُ في هذا الزَّمانِ وأدركتُ ذلك الوقتَ؟ قال رسولُ الله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "صلِّ الصَّلاةَ لمِيقاتِها"، أي: لوَقتِها المختارِ، "واجعَلْ صَلاتَك معَهم سُبْحةً"، أي: نافلةً.
وهذا توجيهٌ نبويٌّ للمسلِمين في مثلِ هذه الأزمانِ أن يُصلُّوا الصَّلاةَ في أوَّلِ وقتِها مع أنفُسِهم، أو في بُيوتِهم، ولا يُظهِروا ذلك، ثمَّ يُصلُّوا معَ الأُمراءِ في الوقتِ المتأخِّرِ الذي يُصلُّون فيه الجماعةَ، أو يُؤمَرون بالصَّلاةِ فيه؛ حتَّى لا تُشَقَّ عَصا المسلِمين بإظهارِ مُخالفةِ الأُمراءِ وعدَمِ الصَّلاةِ معَهم؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَر بطاعَتِهم ما أقاموا الصَّلاةَ- كما في رواياتٍ أُخْرى، ولكن ورَدَ النهيُ عن أنْ يُصلِّيَ المسلمُ صلاةً واحدةً مرَّتَينِ في يومٍ واحدٍ إذا لم يَكُن لها سببٌ، وهنا يُوجَدُ سببٌ وجيهٌ لإعادتِها، وهو طاعةُ الأمراءِ وعدمُ شقِّ الصَّفِّ، وتُعَدُّ الصلاةُ الأولى هي الفَرْضَ، والأخرى نافِلةً.
وفي الحديثِ: فضلُ الصَّلاةِ في أوَّلِ وقتِها والتَّحذيرُ مِن تأخيرِها، ولزومُ الصَّلاةِ مع أئمَّةِ المسلِمين وإنْ كانوا ظالِمين.
وفيه: إعادةُ صلاةِ المنفردِ مع الجماعةِ؛ لإدراكِ الفضيلةِ وتكونُ في حَقِّه نافلةً.