حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه6
مسند احمد
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، (1) عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل، من بني قشير، قال: كنت أعزب عن الماء، فتصيبني الجنابة، فلا أجد الماء، فأتيمم، فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت أبا ذر، في منزله فلم أجده، فأتيت المسجد وقد وصفت لي هيئته، فإذا هو يصلي فعرفته بالنعت، فسلمت، فلم يرد علي حتى انصرف، ثم رد علي، فقلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي يزعمون ذاك فقلت: ما كان أحد من الناس أحب إلي رؤيته منك. فقال: قد رأيتني فقلت: إني كنت أعزب عن الماء فتصيبني الجنابة، فلبثت أياما أتيمم، فوقع في نفسي من ذلك، أو أشكل علي فقال: أتعرف (2) أبا ذر؟ كنت بالمدينة فاجتويتها، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغنيمة، فخرجت فيها فأصابتني جنابة، فتيممت بالصعيد، فصليت أياما، فوقع في نفسي من ذلك حتى ظننت أني هالك، فأمرت بناقة لي أو قعود، فشد عليها ثم ركبت، فأقبلت حتى قدمت المدينة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل المسجد في نفر من أصحابه، فسلمت عليه، فرفع رأسه وقال: "سبحان الله، أبو ذر؟ " فقلت: نعم يا رسول الله، إني أصابتني جنابة، فتيممت أياما، فوقع في نفسي من ذلك حتى ظننت أني هالك، فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لي بماء، فجاءت به أمة سوداء في عس يتخضخض، فاستترت بالراحلة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فسترني فاغتسلت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء ولو في عشر حجج، فإذا قدرت على الماء فأمسه بشرتك "
التيمُّم بالتُّرابِ أمرٌ رخَّص اللهُ عزَّ وجلَّ فيه للمُسلمِ إذا فَقَد الماءَ أو عَجَزَ عن استِعمالِه، وفي هذا الحديثِ يُخبِر رجلٌ مِن بني عامِرٍ، قيل: هو عَمْرُو بنُ بُجْدَانَ، أحدُ التابعين، يقولُ: "دخلتُ في الإسلام"، أي: كان كافِرًا وأَسلَمَ، "فأَهَمَّنِي دِينِي"، أي: جَعلتُ هَمِّي تعاليمَ الدِّين وفِقْهَه، "فأتيتُ أبا ذَرٍّ"، أي: لكَيْ أطلبَ منه العِلمَ، "فقال أبو ذَرٍّ: إنِّي اجْتَوَيْتُ المدينةَ"، أي: لم يُوافِقْه طعامُها وجَوُّها، فأصابه داءُ الجَوْفِ، "فأمَر لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذَوْدٍ"، أي: بإِبِلٍ؛ قِيلَ: يكونُ عددُها مِن الثَّلاث إلى العَشْر، "وبغَنَمٍ، فقال لي: اشْرَبْ مِن ألبانها"، أي: مِن ألبانِ الإبِلِ.
"قال حَمَّادٌ" وهو ابنُ سَلَمَةَ- أحدُ رواةِ الحديثِ-: "وأَشَكُّ في أَبْوالِها"، أي: ورُبَّما ذَكَر له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَبوالَها، أي: أن يَتَداوَى مِن أبوالِ الإبِلِ، "فقال أبو ذَرٍّ: فكنتُ أَعزُبُ عن الماء"، أي: أكونُ بعيدًا عنه، "ومعي أَهلِي"، أي: امرأتُه، "فتُصِيبُني الجَنابةُ"، أي: أَقَعُ في الجنابةِ بسببِ الجِماعِ، والجَنابَةُ: تَقَعُ وتُطلَقُ على كلِّ مَن أَنزَلَ المَنِيَّ أو جامَع زوجتَه، وسُمِّيت بذلك لاجتنابِ صاحبِها الصَّلاةَ والعباداتِ حتَّى يَطهُرَ منها، "فأُصلِّي بغيرِ طُهور"، أي: لعدمِ وجودِ الماءِ لأغتسلَ به وأرفعَ عنِّي الجنابةَ، "فأتيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنِصفِ النَّهارِ وهو في رَهْطٍ"، أي: ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جَمْعٍ، "مِن أصحابِه، وهو في ظِلِّ المسجدِ، فقال" النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ رأَى أبا ذَرٍّ: "أبو ذَرٍّ! فقلتُ: نَعَمْ، هَلَكتُ يا رسولَ الله!" فقال له النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وما أَهْلَكَك؟ قلتُ: إنِّي كنتُ أَعزُبُ عن الماءِ، ومعي أهلي، فتُصيبُني الجنابةُ، فأُصلِّي بغَيرِ طُهورٍ. فأَمَر لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بماءٍ"، أي: لِأغتسِلَ به، "فجاءت به"، أي: بالماء "جارِيَةٌ سَوْداءُ بِعُسٍّ يَتَخَضْخَضُ"، أي: يتحرَّك فيه الماءُ، والعُسُّ: القَدَحُ الضَّخمُ، "ما هو بِمَلْآن"، أي: لا يَمْلَأُ الماءُ القَدَحَ بأكملِه، "فتَستَّرْتُ إلى بَعِيرِي فاغتسلتُ"، أي: جَعَل سُترَتَه الجملَ عندما أراد أن يغتسِلَ.
قال: "ثُمَّ جِئتُ"، أي: إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا أبا ذَرٍّ، إنَّ الصَّعِيدَ الطيِّب"، أي: الأرضَ الطَّاهِرَة "طَهُورٌ"، أي: يقومُ التيمُّمُ بالصَّعيدِ مقامَ الماءِ في رفْعِ الجنابةِ، "وإنْ لم تَجِدِ الماءَ إلى عَشْرِ سِنِينَ"، أي: تيمَّمْ حتَّى لو طال فَقْدُك للماءِ، "فإذا وجدتَ الماءَ فأَمِسَّه جِلدَك"، أي: تيمَّمْ إلى أن تَجِدَ الماءَ، فإذا وجدتَ الماءَ فاغتسِلْ به.