حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه5
مسند احمد
حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل، من بني عامر، قال: كنت كافرا، فهداني الله للإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت فدخلت مسجد منى فعرفته بالنعت، فإذا شيخ معروق (1) آدم، عليه حلة قطري، فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلي، فسلمت عليه فلم يرد علي، ثم صلى صلاة أتمها وأحسنها، وأطولها (2) ، فلما فرغ رد علي، قلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي ليزعمون ذلك قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام، وأهمني ديني، وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي. قال: هل تعرف أبا ذر؟ قلت: نعم. قال: فإني اجتويت المدينة، قال أيوب: أو كلمة نحوها، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود من إبل وغنم، فكنت أكون فيها، فكنت أعزب من الماء، ومعي أهلي فتصيبني الجنابة، فوقع في نفسي أني قد هلكت، فقعدت على بعير منها، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار، وهو جالس في ظل المسجد في نفر من أصحابه، فنزلت عن البعير، وقلت: يا رسول الله، هلكت. قال: "وما أهلكك؟ " فحدثته، فضحك، فدعا إنسانا من أهله، فجاءت جارية سوداء بعس فيه ماء، ما هو بملآن، إنه ليتخضخض، فاستترت بالبعير، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من القوم فسترني فاغتسلت، ثم أتيته فقال: "إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج، فإذا وجدت الماء، فأمس (1) بشرتك " (2)
التيمُّم بالتُّرابِ أمرٌ رخَّص اللهُ عزَّ وجلَّ فيه للمُسلمِ إذا فَقَد الماءَ أو عَجَزَ عن استِعمالِه، وفي هذا الحديثِ يُخبِر رجلٌ مِن بني عامِرٍ، قيل: هو عَمْرُو بنُ بُجْدَانَ، أحدُ التابعين، يقولُ: "دخلتُ في الإسلام"، أي: كان كافِرًا وأَسلَمَ، "فأَهَمَّنِي دِينِي"، أي: جَعلتُ هَمِّي تعاليمَ الدِّين وفِقْهَه، "فأتيتُ أبا ذَرٍّ"، أي: لكَيْ أطلبَ منه العِلمَ، "فقال أبو ذَرٍّ: إنِّي اجْتَوَيْتُ المدينةَ"، أي: لم يُوافِقْه طعامُها وجَوُّها، فأصابه داءُ الجَوْفِ، "فأمَر لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذَوْدٍ"، أي: بإِبِلٍ؛ قِيلَ: يكونُ عددُها مِن الثَّلاث إلى العَشْر، "وبغَنَمٍ، فقال لي: اشْرَبْ مِن ألبانها"، أي: مِن ألبانِ الإبِلِ.
"قال حَمَّادٌ" وهو ابنُ سَلَمَةَ- أحدُ رواةِ الحديثِ-: "وأَشَكُّ في أَبْوالِها"، أي: ورُبَّما ذَكَر له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَبوالَها، أي: أن يَتَداوَى مِن أبوالِ الإبِلِ، "فقال أبو ذَرٍّ: فكنتُ أَعزُبُ عن الماء"، أي: أكونُ بعيدًا عنه، "ومعي أَهلِي"، أي: امرأتُه، "فتُصِيبُني الجَنابةُ"، أي: أَقَعُ في الجنابةِ بسببِ الجِماعِ، والجَنابَةُ: تَقَعُ وتُطلَقُ على كلِّ مَن أَنزَلَ المَنِيَّ أو جامَع زوجتَه، وسُمِّيت بذلك لاجتنابِ صاحبِها الصَّلاةَ والعباداتِ حتَّى يَطهُرَ منها، "فأُصلِّي بغيرِ طُهور"، أي: لعدمِ وجودِ الماءِ لأغتسلَ به وأرفعَ عنِّي الجنابةَ، "فأتيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنِصفِ النَّهارِ وهو في رَهْطٍ"، أي: ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جَمْعٍ، "مِن أصحابِه، وهو في ظِلِّ المسجدِ، فقال" النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ رأَى أبا ذَرٍّ: "أبو ذَرٍّ! فقلتُ: نَعَمْ، هَلَكتُ يا رسولَ الله!" فقال له النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وما أَهْلَكَك؟ قلتُ: إنِّي كنتُ أَعزُبُ عن الماءِ، ومعي أهلي، فتُصيبُني الجنابةُ، فأُصلِّي بغَيرِ طُهورٍ. فأَمَر لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بماءٍ"، أي: لِأغتسِلَ به، "فجاءت به"، أي: بالماء "جارِيَةٌ سَوْداءُ بِعُسٍّ يَتَخَضْخَضُ"، أي: يتحرَّك فيه الماءُ، والعُسُّ: القَدَحُ الضَّخمُ، "ما هو بِمَلْآن"، أي: لا يَمْلَأُ الماءُ القَدَحَ بأكملِه، "فتَستَّرْتُ إلى بَعِيرِي فاغتسلتُ"، أي: جَعَل سُترَتَه الجملَ عندما أراد أن يغتسِلَ.
قال: "ثُمَّ جِئتُ"، أي: إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا أبا ذَرٍّ، إنَّ الصَّعِيدَ الطيِّب"، أي: الأرضَ الطَّاهِرَة "طَهُورٌ"، أي: يقومُ التيمُّمُ بالصَّعيدِ مقامَ الماءِ في رفْعِ الجنابةِ، "وإنْ لم تَجِدِ الماءَ إلى عَشْرِ سِنِينَ"، أي: تيمَّمْ حتَّى لو طال فَقْدُك للماءِ، "فإذا وجدتَ الماءَ فأَمِسَّه جِلدَك"، أي: تيمَّمْ إلى أن تَجِدَ الماءَ، فإذا وجدتَ الماءَ فاغتسِلْ به.