حديث أبي رمثة التميمي ويقال التيمي 1
مستند احمد
حدثنا هشيم، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط، قال: أخبرني أبو رمثة التميمي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي، فقال: «هذا ابنك؟» فقلت: نعم، أشهد به. قال: «لا يجني عليك، ولا تجني عليه» . قال: ورأيت الشيب أحمر
مِن عَدْلِ اللهِ سُبحانه وتعالى أنَّه يُحاسِبُ كلَّ شخْصٍ بما ارْتَكبَه مِن عملٍ؛ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، بلْ كلُّ نفْسٍ مَرهونَةٌ بما جنَتْ يَداهَا، ولا يَحمِلُ إنسانٌ ذنْبَ غيرِه وإنْ كان أقرَبَ النَّاسِ إليهِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو رِمْثَةَ البَلَويُّ، واسْمُه رِفاعةُ بنُ يَثْربيٍّ. وقيل: يَثربيُّ بنُ رِفاعةَ. وقيل: ابنُ عوفٍ. وقيل: عُمارةُ بنُ يَثربيٍّ، قال: انطلَقْتُ مع أبي نحوَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: ذَهبْنا مُتوجِّهَينِ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فلمَّا رأيْتُه، قال لي أبي: هل تَدْري مَنْ هذا؟" أي: هل تَعرِفُ شَخصَه؟ "قلْتُ: لا، فقال: لي أبي: هذا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاقْشعرَرْتُ حِينَ قال ذاك"، أي: شَعَرْتُ برَعشةٍ واضطرابٍ، "وكنتُ أظُنُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا لا يُشبِهُ النَّاسَ، فإذا بشَرٌ له وَفرةٌ"، أي: له شَعرٌ كثيفٌ مُتوفِّرٌ يصِلُ إلى الأُذنِ ولا يُجاوِزُها. "قال عفَّانُ في حَديثِه: ذو وَفرةٍ، وبها رَدْعٌ مِن حِنَّاءٍ"، أي: بها أثَرٌ مِن الصَّبغِ بالحِنَّاءِ، وعفَّانُ هو ابنُ مُسلمٍ الصَّفَّارُ أحدُ رُواةِ الحديثِ، "عليه ثَوبانِ أخضرانِ" أي: كان يلبَسُ ثوبيْنِ ردَاءً وإزارًا لونُهما أخضرُ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحبُّ اللونَ الأخضرَ، "فسلَّمَ عليه أبي" أي: ألْقَى عليه تَحيةَ السَّلامِ "ثمَّ جلَسْنا، فتَحدَّثْنا ساعةً" أي: تحدَّثُوا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ الوقتِ.
قال: "ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لأبي: ابنُك هذا؟" يَقصِدُ ابنَه أبا رِمْثةَ الَّذي رآهُ معه، "قال: إي، ورَبِّ الكعبَةِ"، أي: نعمْ ورَبِّ الكعبَةِ هو ابْنِي، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "حقًّا؟" أي: إنَّ ما تَقولُهُ صِدقٌ؟ "قال: أشْهَدُ بهِ"، أي: أشهَدُ على ذلك، قال أبو رِمْثةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فتبَسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضاحكًا"، أي: تعجَّبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وظهَرَ أثَرُ هذا التَّعجُّبِ في تَبسُّمِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "مِن ثَبَتِ شَبَهي بأبي"، أي: ثُبوتِ قُوَّةِ الشَّبهِ بيْني وبيْن أبي، "ومِن حَلِفِ أبي عليَّ"، أي: إنَّ قُوَّةَ هذا الشَّبَهِ تُغني عن الحَلِفِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَا إنَّه لا يَجْني عليك"، أي: لا تُؤخَذُ بجِنايتِه، ولا تُعاقَبُ بذَنْبِه، "ولا تَجْني عليهِ"، أي: لا يُؤخَذُ بجِنايتِك، ولا يُعاقَبُ بذَنْبِك؛ فإنَّ المُذنِبَ هو الَّذي يُؤخَذُ بما فعَلَ وارتكَبَ مِن جِنايَةٍ، "وقرَأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: تَلا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الآيَةَ: {وَلَا تَزِرُ}، أي: لا تتَحمَّلُ نفْسٌ، {وَازِرَةٌ}: ارتكبَت إثمًا، {وِزْرَ أُخْرَى}: ذنْبَ نَفْسٍ أُخرى، والمَقصودُ: أنَّه لا يُعاقَبُ شخْصٌ بذَنْبِ غَيرِه، وإنَّما الَّذي يَستحِقُّ العُقوبةَ مَن فعَلَ الذَّنْبَ وارتكَبَ المعصيَةَ.
قال أبو رِمثةَ: "ثمَّ نظَرَ"، أي: والدُه، "إلى مِثْلِ السِّلْعةِ بيْن كَتِفَيه"، أي: ظنَّ أنَّ خاتَمَ النُّبوَّةِ الَّذي بِظَهرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا مُتعلِّقًا بمَرضٍ، "فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي لَأَطُبُّ الرِّجالَ"، أي: عارِفٌ بالطِّبِّ ومُعالَجةِ الأمراضِ، "ألَا أُعالِجُها لك؟ قال: لا، طَبيبُها الَّذي خلَقَها"، أي: إنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ هوَ الشَّافي والمُعافِي في الحقيقةِ
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الشِّفاءَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَمنَعُ هذا مِن الأخذِ بالأسبابِ وطلَبِ التَّداوي مِن الأمراضِ