حديث أبي عبد الله رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 1

مستند احمد

حديث أبي عبد الله رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 1

 حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، حدثنا الجريري، عن أبي نضرة: أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: أبو عبد الله، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ من شاربك، ثم أقره حتى تلقاني» ؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى، وقال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي " فلا أدري في أي القبضتين أنا

مِن أرْكانِ الإيمانِ أنْ يُؤمِنَ العَبدُ بقَضاءِ اللهِ تَعالى وقَدَرِهِ، وأنْ يَعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالى خَلَقَهُ، وخَلَقَ ما يَفعَلُهُ وكتَبَه، وجعَلَ للعَبدِ إرادةً ومَشيئةً تابِعةً لإرادةِ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ومَشيئَتِهِ

 وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلَقَ آدَمَ، ثُمَّ أخَذَ الخَلْقَ من ظَهْرِهِ"، فأخرَجَ بعِلْمِهِ مِن صُلبِ آدَمَ وظَهرِهِ ما سيَكونُ مِن ذُرِّيَّتِهِ وقَسَمَهم، وقالَ سُبْحانَهُ: "هؤلاءِ إلى الجَنَّةِ"؛ فهُم مِن أهْلِ الجَنَّةِ الَّذين عَلِمَ اللهُ سُبحانَه أنَّهم سيَعمَلونَ بعَمَلِها، "ولا أُبالي" ولا أهتَمُّ ولا أحتَفِلُ بأمْرٍ آخَرَ، وفي عَدَمِ مُبالاتِه مَعْنَى قَولِهِ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23]، "وهؤلاءِ إلى النَّارِ ولا أُبالي"، أي: إنَّه سُبْحانَهُ قالَ بعِلْمِه أنَّهم سيَعمَلونَ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ فيكونونَ منها
"فقالَ قائِلٌ: يا رسولَ اللهِ، فعَلى ماذا نَعمَلُ؟" والمُرادُ فماذا يَعْمَلُ النَّاسُ وقد قَدَّرَ اللهُ مَصيرَهم سَلَفًا؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "على مَواقِعِ القَدَرِ"، وقد بيَّنَتْ رِوايةُ أبي داودَ مَعْنى مَواقِعِ القَدَرِ حيثُ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: " إذا خلَقَ العَبدَ للجَنَّةِ استَعمَلَهُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى يَموتَ على عَمَلٍ مِن أعْمالِ أهْلِ الجَنَّةِ فيُدخِلَه به الجَنَّةَ، وإذا خلَقَ العَبدَ للنَّارِ استَعمَلَهُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حتَّى يَموتَ على عَمَلٍ من أعْمالِ أهْلِ النَّارِ فيُدخِلَه به النَّارَ"؛ فالحقُّ سُبْحانَهُ هيَّأَ الخَيرَ لأصْحابِ السَّعادةِ، وهيَّأَ لهم أسْبابَها، وهيَّأ َالشَّرَّ لأصْحابِ الشَّقاءِ، وهيَّأَ لهم أسْبابَها؛ وذلِكَ لأنَّ الخَيرَ والشَّرَّ أوضَحَهُ اللهُ للجَميعِ، فكُلٌّ يَعمَلُ على بَصيرةٍ، ويَختارُ ما يُريدُ، فمَنِ اخْتارَ عمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وفَّقَه اللهُ لذلِكَ، ثُمَّ أدخَلَهُ الجَنَّةَ، وهو يَعلَمُ أزَلًا أنَّه مِن أهْلِها، وكذلِكَ مَنِ اخْتارَ لنَفْسِهِ عمَلَ أهْلِ النَّارِ تَرَكهُ اللهُ حتَّى يُدخِلَه النَّارَ يومَ القيامةِ، وهو سُبْحانَه يَعلَمُ أزَلًا أنَّه سيَعمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ
وفي الحَديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخَلقِهِ، وهو عِلمُهُ بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابَتُه لها قَبلَ بَرْئِها
وفيهِ: أنَّ كُلًّا مُيسَّرٌ لِما خُلِقَ له، مِن سعادةٍ أو شَقاوةٍ