حديث أبي موسى الأشعري 4

مستند احمد

حديث أبي موسى الأشعري 4

 حدثنا عبد الصمد، وعفان، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة الهرج» . قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل» . قالوا: أكثر مما نقتل، إنا لنقتل كل عام أكثر من سبعين ألفا، قال: «إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا» ، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: «إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء» قال عفان: في حديثه قال أبو موسى: «والذي نفسي بيده ما أجد لي ولكم منها مخرجا، إن أدركتني وإياكم، إلا أن نخرج منها كما دخلنا فيها لم نصب منها دما ولا مالا»

وقتُ قِيامِ الساعةِ لا يَعلَمُ مِيقاتَه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ؛ فقدِ اختصَّ اللهُ سُبحانَه نفْسَه بذلك، ومع ذلك فقدْ جَعَلَ عَلاماتٍ على قُربِ الساعةِ؛ ليَحذَرَ المُسلِمُ ويَعمَلَ لهذا اليومِ الشَّديدِ

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مِن عَلاماتِ قُربِ قِيامِ السَّاعةِ أنْ يُرفَعَ العِلمُ النَّافعُ المُقترِنُ بالعَملِ الصَّالحِ، ويَذهَبَ مِن الأرضِ بقَبْضِ أهْلِه؛ فقِلَّتُه بمَوتِهم لا بمَحْوِه مِن الصُّدورِ، فيَتَّخِذُ النَّاسُ عند ذلك رُؤوسًا جُهَّالًا يَتحمَّلون في دِينِ اللهِ برَأيِهم، ويُفتُون بجَهْلِهم، فيَتمكَّنُ الجهلُ مِن النَّاسِ، ويَفْشو بينهم، وتَنتشِرُ الفِتَنُ والاختلافاتُ والفُرقةُ، ويَنتُجُ عن ذلك زَوالُ الخَشيةِ مِن القلوبِ، فيَكثُرُ «الهَرْجُ»، فلمَّا سأَلَ الناسُ عن معْنى الهَرْجِ، أشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه إشارةً يُفهَمُ منها أنَّه القَتْلُ وسَفْكُ الدِّماءِ بِغَيْرِ حَقٍّ، ووَرَدَ تَفسيرُه واضحًا في الصَّحيحينِ: «قَالوا: يا رَسولَ اللهِ، وما هو؟ قال: «القَتْلُ القَتْلُ»، والمعنى: تكونُ الفِتَنُ واختِلافُ الأُمورِ هي ما تَتسبَّبُ في كَثرةِ القتْلِ بيْن المسلِمينَ، كما في رِوايةِ ابنِ ماجهْ مِن حَديثِ أبي مُوسى الأَشعريِّ رَضيَ اللهُ عنه، وفيه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «ليس بقتْلِ المشركينَ، ولكنْ يَقتُلُ بَعضُكم بَعضًا، حتى يَقتُلَ الرجُلُ جارَه، وابنَ عمِّه وذا قَرابتِه»

وفي الحديثِ: أنَّ قدَرَ اللهِ تعالى قد سبَقَ أنْ يكونَ خَرابُ الأرضِ عَقِيبَ كَثرةِ الفسادِ فيها

وفيه: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقَبْضِ العُلماءِ

وفيه: علَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ