حديث أبي موسى الأشعري 40

مستند احمد

حديث أبي موسى الأشعري 40

 حدثنا بهز، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف» قال فقام رجل من القوم رث الهيئة فقال يا أبا موسى: آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه فضرب به حتى قتل

الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ هو تَضحيةٌ بالنَّفسِ أوَّلًا، وربَّما يكونُ بالنَّفسِ والمالِ والولدِ، وهذا مَعناهُ تَقديمُ الحياةِ كلِّها للهِ وتَركُ الدُّنيا بما فيها، والإقبالُ على تَنفيذِ أوامرِ اللهِ، فإذا ما قُتِل المجاهدُ، فلا أحَدَ يُمكِنُه تَعويضُ ما فات مِن حَياتِه إلَّا اللهُ سُبحانه
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو مُوسى الأشعريُّ رَضيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنَّ أبوابَ الجَنَّةِ تَحتَ ظِلالِ السُّيوفِ»، أي: أنَّ لِقاءَ العَدُوِّ والنِّزَالَ بالسُّيوفِ مِنَ الأسبابِ المُوجِبةِ لِلجَنَّةِ، وهذا فيه بَيانُ فَضيلَةِ الجِهادِ، وأنَّه سَببٌ لدُخولِ الجَنَّةِ؛ لِمَا فِيه من تَحَمُّلِ الفِتنَةِ مِنَ التَّواجُدِ تحتَ ظِلال السُّيوفِ، وفيه إِشارةٌ لِمَن حَضَر الجهادَ أن يَكونَ مُستصْحِبًا لصِدقِ النِّيَّةِ والثَّباتِ، وعَبَّرَ عنها بالظِّلالِ كِنايةً على أنَّها مُشهَرَةٌ وليستْ في غِمدِها، ولا يَحصُلُ ذلك إلَّا بالقُربِ والدُّنوِّ منَ العَدوِّ. وهذا التَّشبيهُ والتَّصويرُ البَلاغِيُّ أحدُ أَساليبِ الحضِّ والتَّحفيزِ، وقدْ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أفصَحَ النَّاسِ في التَّعبيرِ عن المعاني الشَّرعيَّةِ بما تَحمِلُ مِن الدَّلالاتِ الوَعظيَّةِ والتَّوجيهاتِ النَّفسيَّةِ الَّتي تَبلُغُ أقْصى التَّأثيرِ في النُّفوسِ
وكان أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه يُحدِّثُ بهذا الحديثِ بحَضرةِ عدُوٍّ يُقاتِلونه، فلمَّا سَمِع رجُلٌ مِن المحارِبينَ مع أبي مُوسى رَضيَ اللهُ عنه هذا الحديثَ -وكان هذا الرَّجلُ رَثَّ الهيئةِ، يَعنِي يَلبَسُ الملابِسَ الباليَةَ- قام فسَألَه: «آنتَ سَمِعتَ هذا مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟» يَستوثِقُ منه، فَلمَّا قال له أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه: «نَعمْ» رَجعَ الرَّجلُ إلى أصحابِه الَّذين كانوا معه في الغَزوَةِ والقِتالِ، فسَلَّم عليهم كالمُودِّعِ لهم، ثُمَّ كَسَرَ غِمْدَ سَيفِه، فأَلقاه إلى الأرضِ، ثُمَّ مَشى بسَيفِه إلى العدوِّ فضَرَبَ به حتَّى قُتِلَ واستُشهِدَ في تلكَ المعركةِ
وفي الحديث: الحضُّ على القِتالِ، وأنَّ مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ كان ذلك من أَعظمِ أسبابِ دُخولِ الجَنَّةِ
وفيه: المُسارَعَةُ إلى فِعلِ الخَيرِ إذا عَلِمَ به
وفيه: الانغمارُ في الكفَّارِ، والتَّعرُّضُ للشَّهادةِ