حديث الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه2
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر، قالا: حدثنا زهير يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها، وأكملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة
رَسولُ اللهِ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو خاتَمُ الأنْبياءِ والمُرسَلينَ، صَلَواتُ اللهِ عليهم أجمَعينَ، بعَثَه اللهُ سُبحانَه ليُتِمَّ به البِناءَ الإيمانيَّ، والهَدْيَ الرَّبَّانيَّ؛ فبِه اكتمَلَ للإنْسانيَّةِ النُّورُ الَّذي يُضيءُ لها طَريقَ السَّعادةِ، واكتمَلَتْ مَكارِمُ الأخْلاقِ ودَعائِمُ الحَقِّ والعَدلِ، وخُتِمتْ به النُّبوَّةُ.
وفي هذا الحَديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المثَلَ له وللنَّبيِّينَ صلَّى اللهُ عليهم وسلَّمَ، وما بَعَثَهمُ اللهُ به مِن الهُدى والعِلمِ، وما يَنفَعُ النَّاسَ؛ كمَثلِ رَجلٍ بَنى بَيتًا، إلَّا أنَّ هذا البِناءَ مع جَمالِه وحُسنِه، كانت هناك لَبِنةٌ واحِدةٌ فيه بَقيَ مَوضِعُها فارِغًا، واللَّبِنةُ هي القِطعةُ مِن الطِّينِ، تُعجَنُ وتُعَدُّ للبِناءِ، ويُقالُ لها -ما لم تُحرَقْ-: لَبِنةٌ، فإذا أُحرِقتْ فهي آجُرَّةٌ.
فجعَلَ النَّاسُ يَطوفونَ بالبيتِ، ويَعجَبونَ مِن حُسنِه، ويَقولونَ: لو وُضِعَتْ هذه اللَّبِنةُ لَكان غايةً في الحُسنِ والكَمالِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو اللَّبِنةَ الَّتي بها اكتمَلَ البِناءُ؛ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنِّسبةِ إلى الأنْبياءِ السَّابِقينَ كاللَّبِنةِ المُتَمِّمةِ لذلك البِناءِ؛ لأنَّ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَمالَ الشَّرائِعِ السَّابِقةِ، وليس مَعنى هذا أنَّ الأدْيانَ السَّابِقةَ كانت ناقِصةً، وإنَّما المُرادُ أنَّه وإنْ كانت كُلُّ شَريعةٍ كامِلةً بالنِّسبةِ إلى عَصرِها، فإنَّ الشَّريعةَ المُحَمَّديَّةَ هي الشَّريعةُ الأكمَلُ والأتَمُّ، وكَونُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتَمَ النَّبيِّينَ، أي: لا نَبيَّ بعْدَه.