حديث الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه1
مسند احمد
حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: "إذن يكفيك الله ما أهمك (2) من دنياك وآخرتك
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُرَبِّيًا حَكيمًا، ومُعلِّمًا رَحيمًا، ومُؤدِّبًا عليمًا، ما سأله أحدٌ قَطُّ فخَذَلَهُ، فكان الصَّحابةُ يأتونه، فيَسألونه، فيُجيبُهم ويُعلِّمُهم، ويُحسِنُ تأديبَهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ طارقُ بنُ أَشْيَمَ الأشجعيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: «يا رسولَ اللهِ، كيف أَقولُ حين أَسألُ رَبِّي؟» أي: كيف أدعو اللهَ؟ وكيف أسألُهُ وأطلُبُ منه؟ فعَلَّمه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَدْعوَ اللهَ ويقولَ: «اللَّهمَّ اغفِرْ لي»، أي: امْحُ عنِّي وأَزِلْ لي ذَنْبي وخَطيئتي، «وارحمْني»، أي: أنزِلْ وأسبِغْ علَيَّ رَحمةً مِن عِندكَ، بإيصالِ المَنافعِ والمَصالِحِ لي، فأَرادَ الرَّحمَةَ بعْدَ المغفِرةِ لِيَتكامَلَ التَّطهيرُ؛ فالمَغفِرةُ سَتْرُ الذُّنوبِ ومَحْوُها، والرَّحمةُ إيصالُ الخَيراتِ؛ ففي الأوَّلِ طَلَبُ الزَّحْزَحةِ عنِ النَّارِ، وفي الثَّاني طَلَبُ إدخالِ الجنَّةِ، وهذا هُو الفَوزُ العَظيمُ، «وعافِني» في الدِّينِ والدُّنيا ونَجِّني مِن البلاءِ والمعاصي والآثامِ، ومِن مَرَضِ الجسدِ، ومَرَضِ القلبِ، «وارزُقْني» فأعطِني رِزقًا حلالًا طيِّبًا، يَعني: الرِّزْقَ الَّذي يَقومُ به البَدَنُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ والمَسكَنِ وغَيرِ ذَلكَ، والرِّزْقَ الَّذي يَقومُ بِه القَلْبُ، وهو العِلمُ النَّافعُ والعَمَلُ الصَّالحُ، فاجعَلْ لي ما يَكْفيني في الدُّنيا، وفي الآخرةِ ارزُقْني وأعطِني الدَّرجاتِ العُلْيا.
ثمَّ جَمَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربعَةَ أصابعَ وهو يُعلِّمُ الرَّجلَ، كأنَّه يُريدُ أنْ يقولَ له: ادعُ بأربعِ كلماتٍ، وأخبَرَه أنَّ تلك الدَّعَواتِ الأربعَ تَجمَعُ له خَيْرَيِ الدُّنيا والآخرةِ.
وبدَأ بِالمغفرةِ؛ لِكونِها تطهيرًا وتنظيفًا وتَخليةً مِن أقذارِ المعاصي، وعَقَّبَها بِالرَّحمةِ؛ لكونها كالتَّحلِيَةِ، ثمَّ طلَب الهِدايةَ؛ حتَّى يَعرِفَ الحقَّ ويَستمِرَّ عليه، وبَعْدَ تَمامِ المَطالِبِ سأل اللهَ العافيةَ؛ لِيَقْدِرَ على الشُّكرِ، وطَلَبَ الرِّزقَ؛ لِتستريحَ نفسُهُ مِن هَمِّ تَحصيلِهِ.
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على أنْ يكونَ الدُّعاءُ شاملًا خَيْرَيِ الدُّنيا والآخرةِ.
وفيه: الحثُّ على طَلَبِ المغفرةِ والرَّحمةِ والرِّزقِ والمُعافاةِ؛ فهي جِماعُ الخيرِ.
وفيه: تَعليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنَّاسِ جَوامعَ الكلِمِ في الدُّعاءِ.
وفيه: بَيانُ حاجةِ العبدِ للتَّضرُّعِ لربِّه بالدُّعاءِ.