مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 923
مسند احمد
حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي يعني ابن زيد، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: «ما ترى؟» قال: أرى عرشا على الماء - أو قال: على البحر - حوله حيات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك عرش إبليس»
كان في المدينةِ غُلامٌ يُقالُ له: ابنُ صيَّادٍ، واسمُه: صافي، وقيل: عبدُ اللهِ، مِن يَهودِ المدينةِ، وقيل: مِن الأنصارِ، وقدْ شاع بيْنَ النَّاسِ أنَّه هو الدَّجَّالُ -الَّذي يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، وهو مِن عَلاماتِ السَّاعةِ الكُبرى- لِما به مِن صِفاتٍ تُشابِهُ الَّتي في الدَّجَّالِ، فأراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَطَّلِع على أمرِه ويَتبيَّنَ حالَه
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبا بَكْرٍ الصديق وعُمَرَ بن الخطاب رَضيَ اللهُ عنهما لَقُوا ابنَ صَائِدٍ في بعضِ طُرُقِ المَدِينَةِ كان يَلعَبُ مع الغِلمانِ، كما في رِوايةٍ أُخرى، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَتَشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟» وهذا لو شَهِد به ابنُ صيَّادٍ صَراحةً لَعَلِمْنا أنَّه يُؤمِنُ بنُبوَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِسالتِه، وقدْ وَرَد عندَ مُسْلمٍ في حَديثٍ آخَرَ أنَّ ابنَ صيَّادٍ أسلَمَ وخَرَج إلى الحجِّ أو العُمرةِ مع أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه، فقال ابنُ صَيَّادٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَتَشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟» وكأنَّه ادَّعى النُّبوَّةَ بيْنَ يَدَي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو أعاد كَلامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُؤالَه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «آمَنْتُ باللهِ ومَلائكتِه وكُتُبِه» إيمانًا حَقيقيًّا لا بما يَدَّعِيه الكذَبةُ والدَّجَّالونَ مِثلُكَ، «ثمَّ سَأله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ماذا تَرَى؟» وقدْ أراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استِنطاقَه بما يُظهِرُ كَذِبَه في دَعْواه «فأجاب: أَرَى عَرْشًا على الماءِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ على البَحْرِ» ومعناه: أنَّ مَرْكَزَ سَرِيرِ مُلكِه على البَحْرِ، ومنه يَبْعَثُ سَرايَاهُ في نَوَاحِي الأرضِ، ثُمَّ سَأَله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وما تَرَى؟» غيرَ هذا- فأجَابَه ابنُ صيَّادٍ: «أَرَى صادِقَيْنِ وكاذِبًا، أو كاذِبَيْنِ وصادِقًا»، أي: يَأتِيني شَخْصَانِ يُخبِراني بما هو صِدْقٌ، وشَخْصٌ يُخبِرني بما هو كَذِبٌ. والشَّكُّ مِن ابنِ صَيَّادٍ في عَدَدِ الصَّادقِ والكاذبِ يَدُلُّ على افْتِرَائِه؛ إذِ المُؤَيَّدُ مِن عندِ اللهِ لا يكونُ كذلك، ويَحتمِلُ أنَّه يَرى الرُّؤْيا رُبَّما تَصدُقُ، ورُبَّما تَكذِبُ
فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه: «لُبِسَ عليه»، أي: خُلِط عليه الأمرُفي كَهَانَتِه، وخَلَطَ عليه شَيْطانُه ما يُلْقي إِلَيه، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «دَعُوه»، أي: اتْرُكُوه؛ فإنَّه لا يُحدِّثُ بشَيءٍ يَظهَرُ فيه أنَّه الدَّجَّالُ
وقِصَّة ابنِ صَيادٍ مُشكِلةٌ، وأمْرُه مُشتبِهٌ، والأقربُ أنَّه دجَّالٌ مِن الدَّجاجلةِ الكذَّابينَ، ولكنَّه غيرُ المسيحِ الدَّجَّالِ، وقدْ وافقَتْ صِفةُ ابنِ صَيَّادٍ بعْضَ ما في الدَّجَّالِ، وكان فيه قِرائنُ مُحتمَلةٌ، ولعلَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مُتوقِّفًا في أمْرِه حتَّى جاءَه الأمرُ مِن اللهِ تَعالَى أنَّه غيرُ الدَّجَّالِ الأكبرِ، كما في قِصَّة الجسَّاسةِ الَّتي رَواها مُسْلمٌ عن تَميمٍ الدَّاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، وفيها أنَّهم رَأَوا الدَّجَّال مُقيَّدًا وسَألهم عن نبيِّ الأُميِّين: هل بُعِث؟ وأنَّه قال: إنْ يُطيعوه فهو خيرٌ لهم، وغيرُ ذلك، وفيه: أنَّه قال: إنِّي مُخبِرُكُم عنِّي؛ أنا المسيحُ، وإنِّي أُوشِكَ أنْ يُؤذَنَ لي في الخُروجِ فأخرُجَ... الحديثَ
وفي الحديثِ: بيانُ كَذِبِ ابنِ صَيَّادٍ
وفيه: بيانُ الفَرْقِ بيْنَ النَّبيِّ الصَّادقِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْنَ الكَهَنةِ والسَّحرةِ ومَن يَدَّعون عِلمَ الغيبِ