مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 883
مسند احمد
حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عرش إبليس على البحر، ثم يبعث سراياه، فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة»
الشَّيطانُ عدُوُّ الإنسانِ، ويَسْعى في هَلاكِه وإفسادِ حَياتِه ودُنياه وآخِرتِه بكلِّ السُّبُلِ
وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ ما يَفعَلُه الشَّيطانُ، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ إبْلِيسَ يضَعُ عَرْشَه على الماءِ»، أيْ: يَثْبُتُ به على ماءِ البَحرِ، وقيل: هو كِنايةٌ عن تَسلُّطِه على الخَلْقِ وإضلالِهم، والعرش: هو كرسي سلطانه
«ثمَّ يَبعَثُ سَراياهُ»، والسَّريَّةُ: هي القِطْعةُ من الجيشِ، وكأنَّ إبليسَ له جيشٌ من الأبالسةِ والجُنُودِ يُرسِلُهم في نواحي الأرض؛ ليُوسوِسوا للنَّاسِ ويُضلِّوهم عن دينهم وعن الطريق المستقيم ، فيكون أَقْربُ الشَّياطين إلى إبليسَ هو أَكْثرُ الشياطين إضلالًا للنَّاس وإبعادًا لهم عَن الحقِّ، فيَجيءُ واحد من الشياطين الَّذين بعثهم إلى نواحي الأرض لفتنة بني آدم ويرجع إليه، فيَذْكُرُ له الشَّيطانُ ما فَعَلَه من أصنافِ الفِتنِ والإضلالِ، فلا يَقْنَعُ بذلك إبليسُ وكأنَّه يَسْتَقِلُّها مِنْه، «ثمَّ يجيءُ» شيطان آخر فيقولُ: «ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بيْنَه وبيْنَ امرأتِه»، أيْ: ما تركتُ الزَّوجَ حتَّى جعلته يطلق زوجته أو تطلب الخلع منه، وهدَمتُ الأُلْفَةَ والمودَّةَ الَّتي كانت بينهم بإلقاء العداوة والبغضاء بينهما، فيُقرِّبه إبليسُ الكبير منه ويُنزِله مَنْزلةً أعلى من أقرانِه، ويَمْدحُ فِعْلَه في التَّفريقِ بيْن الزَّوجين لإعجابه بصنعه، وبلوغه الغاية الَّتي أرادها بقوله: «نعم أنت»، وهذا المدح لِما في التَّفريقِ بين الزَّوجينِ مِن مَفاسِدِ انْقِطاعِ النَّسلِ، وانْعِدام تَربيةِ الأطفالِ، وما يُحْتَملُ مِن وقوعِ الزِّنا، الَّذي هو أَفْحشُ الكبائرِ وأَكْثرُها مَعرَّةً وفسادًا، وما في ذلك مِن التَّباغُضِ والتَّشاحُنِ وإثارةِ العَدَواتِ بين النَّاسِ
وفي الحديث: بيان تمكن إبليس من بلوغ مقصوده من إغواء بني آدم
وفيه: تعظيم أمر الطلاق وكثرة ضرره وعظيم فتنته وعظيم الإثم في السعي فيه
وفيه: تهويل عظيم في ذم التفريق بين الزوجين