مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 868

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 868

حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، حلقت ولم أنحر؟ قال: " لا حرج وانحر (1) " وجاءه آخر، فقال: يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي؟ قال: " فارم، ولا حرج " (2)

حَجَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَجَّةَ الوَداعِ في آخِرِ حَياتِه في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجرةِ، وبيَّن فيها للناسِ مَناسِكَهم وأحكامَ الحجِّ، وما يُباحُ فيه وما يَحرُمُ مِن الأقوالِ والأفعالِ
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَفَ في حَجَّتِه وهو راكبٌ على دابَّتِه -كما في رِوايةِ مُسلمٍ- في مَشعَرِ مِنًى عندَ الجَمرةِ بعدَ الزَّوالِ مِن يومِ النَّحرِ، ومِنًى: وادٍ يُحيطُ به الجِبالُ، يقَعُ في شَرقِ مكَّةَ على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ وجبَلِ عَرَفةَ، ويَبعُدُ عن المسجِدِ الحرامِ نحوَ سِتَّةِ كِيلو متراتٍ تَقريبًا، وهو مَوقعُ رمْيِ الجَمراتِ وتُذبَحُ فيه الهَدايا
وفي ذلك المشهدِ العَظيمِ والجمِّ الغَفيرِ وقَفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لكي يَسأَلَه الحُجَّاجُ ويَستفتونَه فيما يَحتاجون إليه مِن أحكامِ الحجِّ، ومنها: أنَّ رجلًا غفَلَ ونَسِيَ فخالَفَ التَّرتيبَ بيْن المناسِكِ، فقدَّم الحَلْقَ على الذَّبحِ، فأجابَه النبيُّ الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اذبَحْ ولا حرَجَ»، فلا إثمَ عليك ولا دَمَ، ومنها أيضًا: أنَّ رجُلًا نحَرَ الهدْيَ قبْلَ أنْ يَرميَ جَمرةَ العقَبةِ، فأجابَه النبيُّ الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ارْمِ ولَا حَرَجَ»
فَما سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن شَيءٍ قُدِّمَ ولَا أُخِّرَ مِن أعمالِ الحجِّ في هذا اليومِ؛ إلَّا قالَ للسائلِ: «افعَلْ ولا حرَجَ»، فلا تَضييقَ في الأمرِ ولا دمَ عليكم، ولا يَقَعُ عليكم شَيءٌ مِنَ الإثْمِ والذَّنبِ في تَقديمِ عَمَلٍ على عَمَلٍ أو تَأخيرِه
وهذا مِن التَّيسيرِ على الناسِ؛ لأنَّ وقْتَ الحَجِّ وقْتٌ شَديدٌ، وفيه مِن المَشقَّاتِ والضَّرورياتِ ما يُضطَرُّ معه الناسُ إلى فِعلِ أُمورٍ كَثيرةٍ دونَ تَرتيبٍ، فرَفَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحرَجَ عن الناسِ في التَّرتيبِ؛ فالمُهِمُّ هو الإتيانُ بأعْمالِ الحجِّ، وإنْ كان الأَولى أنْ يَتَّبِعوا هَدْيَه وسُنَّتَه فيما أخبَرَ ورُوِيَ عنه
وفي الحَديثِ: بَيانُ شَفَقةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمَّتِه بالتَّخفيفِ عنهم في مَناسِكِ الحَجِّ