حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 7
مستند احمد
حدثنا حسن، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو عشانة، أنه سمع عقبة بن عامر، يقول: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أثكل ثلاثة من صلبه، فاحتسبهم على الله - فقال أبو عشانة مرة: في سبيل الله ولم يقلها مرة أخرى -، وجبت له الجنة "
كَتَبَ اللهُ تعالَى على عِبادِه البَلاءَ؛ لِحِكَمٍ جَليلةٍ، ووَعَدَ المُؤمِنينَ الصَّابِرينَ بالأجْرِ الجَزيلِ إذا صَبَروا على ما ابْتَلاهم به، وتَعلو مَنزِلتُهم إذا رَضُوا بقَضاءِ اللهِ تعالَى وشَكَرُوه على نَعْمائِه وضَرَّائِه، وإنَّ مِن أشَدِّ الابتِلاءاتِ فُقدانَ الأقارِبِ والأحبابِ، ولَعَلَّ أشَدَّها فُقدانُ الأولادِ صِغارًا؛ فالوَلَدُ أحَبُّ ما يَكونُ إلى والِدَيْه وهو صَغيرٌ لم يَبلُغْ أنْ يُؤذِيَهما أو يَعصِيَهما ويَعُقَّهما، فإذا تُوُفِّيَ في هذه السِّنِّ كان الألَمُ شَديدًا في قَلبِ والِدَيْه؛ ومِن أجْلِ ذلك عَظَّمَ اللهُ أجْرَ مَن يَموتُ له وَلَدانِ فأكثَرُ
وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأجْرَ الكَبيرَ الذي وَعَدَ اللهُ تعالَى به مَن فَقَدَ أو ماتَ له ثَلاثةٌ "مِن صُلْبِه"، أيْ: مِن أولادِه المُباشِرينَ الذين وُلِدوا مِن زَوجاتِه مُباشَرةً، وليس مِن أحفادِه، وقيلَ: يَدخُلُ فيهم أولادُ أولادِ الصُّلْبِ الذُّكورِ، ولا سيَّما عِندَ فَقْدِ الوَسائِطِ بَينَهم وبَينَ الأبِ، والصُّلْبُ هو الظَّهرُ والعَمودُ الفِقَريُّ، وهو مَركَزُ النَّسلِ وأصلُه عِندَ الإنسانِ، "فاحتَسَبَهم على اللهِ" والمُرادُ بالاحتِسابِ هنا: الصَّبرُ على قَضاءِ اللهِ وقَدَرِه. وقال الرَّاوي في مَرَّةٍ عِندَ تَحديثِه بهذا الحَديثِ: "في سَبيلِ اللهِ"، أي: وكان مَوتُهم أنَّهم خَرَجوا لِلقِتالِ في سَبيلِ اللهِ، والطَّريقِ التي جَعَلَها اللهُ لِعِبادِه يَسلُكونَها إلى لِقائِه في الجِهادِ، والظاهِرُ أنَّ المُرادَ بفَقدِهم مَوتُهم على الإطلاقِ، دُونَ تَقييدٍ بأنَّ مَوتَهم كان في سَبيلِ اللهِ؛ لِظاهِرِ الرِّواياتِ والنُّصوصِ في ذلك، "وَجَبتْ له الجَنَّةُ" وهذا وَعدٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنْ يُدخِلَه الجَنَّةَ جَزاءً له على مُصيبَتِه تلك، والوَعدُ يَشمَلُ الوالِدَيْنِ، إلَّا أنَّه لا بُدَّ لِنَيْلِ هذا الثَّوابِ العَظيمِ مِنَ الصَّبرِ واحتِسابِ الأجْرِ عِندَ اللهِ سُبحانَه
وفي الحَديثِ: بَيانٌ لِفَضلِ اللهِ العَظيمِ على عِبادِه الصَّابِرينَ، بتَكفيرِ الخَطايا والذُّنوبِ بما يَنالُ المُؤمِنَ مِن مَصائِبِ الدُّنيا في بَنيه وقَرابَتِه