حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم 5
مستند احمد
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن سعيد بن هانئ، قال: سمعت العرباض بن سارية، قال: بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بكرا، فأتيته أتقاضاه، فقلت: يا رسول الله، اقضني ثمن بكري. فقال: «أجل لا أقضيكها إلا لجينية» قال: فقضاني، فأحسن قضائي. قال: وجاءه أعرابي، فقال: يا رسول الله، اقضني بكري، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جملا قد أسن، فقال: يا [ص:379] رسول الله، هذا خير من بكري، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خير القوم خيرهم قضاء»
مِنَ الأخلاقِ الكَريمةِ التي حَثَّ عليها الشَّرعُ إحسانُ المُسلمِ لأخيه المُسلمِ بجَميعِ أنواعِ الخَيرِ
ومِنها القَرضُ، فيُقرِضُه عِندَ حاجَتِه، على أن يَرُدَّها المُقتَرِضُ عِندَ تَيَسُّرِ أُمورِه وأحوالِه، ومِن جَزاءِ الإحسانِ الإحسانُ للمُقرِضِ، بأن يَرُدَّ المُقتَرِضُ لمَن أقرَضَه القَرضَ وزيادةً عليه كَرَمًا مِنه وجَزاءً على مَعروفِه، وليس هو مِن بابِ القَرضِ الذي يَجُرُّ مَنفعةً المَنهيِّ عنه؛ لأنَّ المَنهيَّ عنه ما كان مَشروطًا في عَقدِ القَرضِ، وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ خيارَكُم أحسَنُكُم قَضاءً؛ ولهذا لمَّا باعَ العِرباضُ بنُ ساريةَ رَضيَ اللهُ عنه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَكرًا، والبَكرُ: هو الفَتيُّ مِنَ الإبِلِ، بمَنزِلةِ الغُلامِ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ أتى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَقاضاه، أي: يَطلُبُ ثَمَنَ البَكرِ، وقال: يا رَسولَ اللهِ، اقضِني ثَمَنَ بَكري. فقال رَسولُ اللهِ: أجَلْ، لا أقضيكها إلَّا لُجَينيَّةً. واللُّجَينُ: الفِضَّةُ. وفي رِوايةٍ: نَجيبةً، والنَّجيبُ: الفاضِلُ مِن كُلِّ حَيَوانٍ النَّفيسُ في نَوعِه. والمَعنى: سَوف أُعطيك ناقةً أفضَلَ مِن بَكرِك. ثُمَّ قَضاه فأحسَنَ قَضاءَه، أي: بالزِّيادةِ على حَقِّه. وجاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا أعرابيٌّ -والأعرابُ هم مَن يَسكُنونَ الباديةَ- يَتَقاضاه، أي: يَطلُبُ أن يَقضيَه، سِنَّه، أي: جَمَلًا له سِنٌّ مُعَيَّنٌ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعطُوه سِنًّا، فأعطَوه يَومَئِذٍ جَمَلًا، أي: وهو أكبَرُ مِن جَمَلِه الذي جاءَ يَطلُبُه. فقال الأعرابيُّ: هذا خَيرٌ مِن سِنِّي، أي: مِن جَمَلي! فقال رَسولُ اللهِ: إنَّ خَيرَ القَومِ خَيرُهم قَضاءً، أي: خَيرُ النَّاسِ هو الذي يَقضي بأفضَلَ مِمَّا أخَذَ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الزِّيادةِ في رَدِّ القَرضِ
وفيه بَيانُ كَرَمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم