حديث معاوية بن أبي سفيان 5
مستند احمد
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن معاوية، دخل على عائشة، فقالت له: أما خفت أن أقعد لك رجلا فيقتلك؟ فقال: ما كنت لتفعلي وأنا في بيت أمان [ص:44]، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول - يعني -: «الإيمان قيد الفتك» ، كيف أنا في الذي بيني وبينك، وفي حوائجك؟ قالت: صالح، قال: فدعينا وإياهم حتى نلقى ربنا عز وجل
جاء الإسلامُ ليُهذِّبَ المسلِمينَ في كُلِّ شيءٍ؛ في عاداتِهم وتَقاليدِهم وأخلاقِهم، فيَنْبغي على المُسلِمِ أنْ يَعْلَمَ أنَّ اللهَ لم يَتْرُكْه هَمَلًا ولم يَخْلُقْه سُدًى
وفي هذا الحَديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ"، أي: إنَّهُ يَمْنعُ الفَتْكَ، والفَتْكُ: هو أنْ يأتيَ الرَّجُلُ غيرَه وهو غافِلٌ، فيَشُدَّ عليه فيَقْتُلَه اغتِيالًا وغَدْرًا، والفَتكُ أيضًا القَتلُ بعدَ الأمانِ، والغَدرُ بعدَ التَّأمينِ "لا يَفْتِكُ مؤمِنٌ"، أي: لا يَليقُ بشأنِ المؤمنِ أنْ يَقْتُلَ أحدًا غَدْرًا
والمعنى: أنَّ الإيمانَ منَعَ ذلك؛ فلا يَنبغي للمُؤمِن أنْ يَفعلَه مع أيِّ أحدٍ، حتَّى لو كان كافِرًا؛ فإنَّه يَنبغي ألَّا يُفتَكَ به حتَّى يُبيَّنَ له ويُدْعَى إلى الإسلامِ أو يُستَتاب، وأمَّا ما ورَد مِن بَعضِ القضايا التي فيها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بعَثَ بَعضَ الصَّحابةِ لقَتْلِ بَعضِ الكُفَّارِ غيلةً، كبَعْثِ مُحمَّدِ بنِ مَسلمةَ في نَفرٍ إلى كَعبِ بن الأشرفِ فقتلوه، وغير ذلك من القَضايَا؛ فقِيل: إنَّ النَّهيَ عن الفَتْكِ كان بعدَ هذه القَضايا، فكأنَّه ناسِخٌ لها. وقيل: بلْ يَحتمِل أنَّ تِلك القَضايا كانتْ بأمرٍ سماويٍّ؛ لِمَا ظَهَر مِن المقتولِينَ مِن الغدرِ برَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم والمبالغةِ في أذيَّتِه والتَّحريضِ عليه؛ وعليه يكونُ هذا الحُكمُ مُستمرًّا إذا دعَا إليه داعٍ، كأنْ يُعلَمَ من الكافرِ أنَّه مُصرٌّ على كُفرِه حريصٌ على قَتْلِ المسلِمينَ مُنتهزٌ للفُرَصِ منهم، ولا يَتيسَّر دفْعُه إلَّا بالفَتكِ؛ فلا حرَجَ في ذلك
وفي الحَديثِ: أنَّ مِنْ ثَمراتِ الإيمانِ تهذيبَ الإنسانِ