حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم 67
مستند احمد
حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى رجلا خارجا صدره من الصف، فقال: «استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم»
صَلاةُ الجَماعةِ في المساجدِ شأنُها عظيمٌ، وأجْرُها كبيرٌ، وقد نظَّمَ الشَّرعُ هذِه الصَّلاةَ، ورتَّبَ أحوالَ الوُقوفِ خَلْفَ الإمامِ، فيؤمُّ النَّاسَ في الصَّلاةِ أقرؤُهم وأكثرُهم عِلْمًا وفِقهًا، ثمَّ يكون خَلْفَ الإمامِ الحُفَّاظُ للقرآنِ، والعالِمون بأحكامِ الصَّلاةِ، والبالِغون، ثمَّ الأقلُّ عِلمًا، حتَّى يَتعلَّموا منه أولًا، ثمَّ يُصحِّحوا قِراءتَه إذا أخطَأَ، ويَرُدُّوه إذا سهَا
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لِيَلِيَنِّي – بتَشديدِ النونِ على التأكيدِ، ويجوزُ (لِيلِينِي) بتَخفيفِ النونِ وإثباتِ الياءِ على إجراءِ الحَرْفِ المُعتَلِّ مجرَى الحَرْف الصَّحيحِ، وقيل غير ذلك- منكم أولو الأحلامِ والنُّهَى"، أي: ليقِفْ خَلْفي في الصَّلاةِ أَصحابُ العُقولِ والأفهامِ؛ وذلك ليَحْفظوا عنه ويَعُوا ما كان منه في صَلاتِه، وهكذا تكونُ الصُّفوفُ وراءَ كُلِّ إمامٍ، وكذلك يَشمَلُ هذا مَن يَصلُحُ أنْ يُلقِّنَ ما تعايا عليه مِن القِراءةِ، ومَن يَصلُحُ للاستِخلافِ للصَّلاةِ إذا حدَثَ شَيءٌ للإمامِ، أو أنْ يكونَ خلْفَه البالِغون العُقلاءُ، ثمَّ الأقلُّ سِنًّا وهكذا، ثمَّ وراءَهم النِّساءُ، "ثمَّ الَّذين يَلُونهم، ثمَّ الَّذين يَلُونهم"، أي: يُرتَّبُ النَّاسُ في الصُّفوفِ هكذا: الأعلمُ، ثمَّ الأقلُّ عِلمًا، وهذا ليس فيه حَجْرُ الصُّفوف عليهم أو حَجْزُها لهم، وإنَّما فيه الحثُّ على أنْ يُسارِع أهلُ العِلْم والفَهْمِ إلى الصَّلاةِ في الجماعاتِ؛ لِيَكونوا خلْفَ الإمامِ، وهذا الأمْرُ مِن التَّنظيمِ النَّبويِّ؛ حتَّى يَتعلَّمَ النَّاسُ منه أحكامَ الصَّلاةِ، ثمَّ يَنقُلوها لِمَن بَعْدهم، "ولا تَخْتلِفوا فتَختلِفَ قُلوبُكم"، أي: لا يَحصُلْ مِنكُم اختِلافٌ بالتَّقدُّمِ والتَّأخُّرِ، فيتَسبَّبَ عنه اختلافُ قُلوبِكم بالعَداوةِ والبغضاءِ، والتَّحاسُدِ والشَّحناءِ، "وإيَّاكم وهَيْشاتِ الأسواقِ"، وهَيْشاتُ الأسواقِ، أي: ارْتفاعُ الأصواتِ والصَّخبُ واللَّغَطُ، والمُنازعاتُ والفِتنُ الَّتي فيها، وهذا تَحذيرٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَحدُثَ مِثْلُ هذا في المسجِدِ