حديث امرأة
مسند احمد
حدثنا روح، قال: حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن معاذ الأشهلي، عن جدته أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المؤمنات، لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقا»
حَثَّ الشَّرعُ الحَكيمُ على جَميعِ أنْواعِ المَعْروفِ، كالإحْسانِ إلى النَّاسِ ومُعامَلتِهم مُعامَلةً حَسَنةً، حتَّى لو كان ذلك أمرًا هيِّنًا لا يُكلِّفُ المَرءَ كَثيرَ فِعلٍ، ونَهى عنِ احتِقارِ أوِ استِصْغارِ أيِّ مَعروفٍ؛ فقدْ يكونُ له فَضلٌ عَظيمٌ، وأجْرٌ كَبيرٌ عِندَ اللهِ تعالَى
وفي هذا الحَديثِ يُوصي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّساءَ المؤمِناتِ بالصَّدَقةِ والتَّهادي فيما بيْنهنَّ ولو بالقَليلِ، ولا تَستقِلُّ المَرأةُ أنْ تَتصدَّقَ، أو تُهْدي إلى جارِتها، «ولو كُراعَ شاةٍ مُحْرَقًا»، والكُراعُ هو العَظْمُ الغَليظُ مِن أرجُلِ الدَّوابِّ، وقَولُه: «مُحْرَقًا» مُبالَغةٌ في الإحْراقِ، وهذه مُبالَغةٌ في غايةِ ما يُعْطى مِن القِلَّةِ، حتَّى إنْ وجَدْتَ شَيئًا حَقيرًا مِثلَ العَظْمِ المُحْرَقِ، وهو أقَلُّ ما يُمكِنُ أنْ يُعْطى، ولا يَكادُ أنْ يَقْبَلَه المِسْكينُ، ولا يَنتَفِعَ به إلَّا في وَقتِ المَجاعةِ والشِّدَّةِ، وقيلَ: إنَّ العَظْمَ المُحْرَقَ كان له عِندَهم قَدْرٌ بأنَّهم يَسْحَقونَه ويَسَفُّونَه
وقيلَ: يُحتَمَلُ أنْ يُريدَ: لا تُحَقِّرُه المَهْديُّ إليها ولْتَقبَلْه على قِلَّتِه؛ فهو أنفَعُ لها على قِلَّتِه مِن مَنْعِه وأحسَنُ في التَّعاشُرِ بيْن النَّاسِ
وخَصَّ النَّهيَ بالنِّساءِ؛ لأنَّهنَّ مَوادُّ المَودَّةِ والبَغضاءِ، ولأنَّ تلك الصِّفاتِ أسرَعُ انتِقالًا فيهنَّ
وقدْ يكونُ للتَّصدُّقِ أوِ التَّهادي بهذا الشَّيءِ القَليلِ أجْرٌ كَبيرٌ عندَ اللهِ تعالَى بحسَبِ حالِ المُنفِقِ، وقدْ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثٍ آخَرَ -كما عندَ النَّسائيِّ- أنَّه «سَبَق دِرْهمٌ مِئةَ ألْفِ دِرهمٍ»؛ لأنَّ الرَّجلَ كان له دِرْهَمانِ، فتَصدَّقَ بأحَدِهما، وهو نِصفُ مالِه، وأمَّا الآخَرُ فكان معه مالٌ كَثيرٌ، فأخَذ مِن عُرْضِه مِئةَ ألْفِ دِرهمٍ
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على الصَّدَقةِ والهَديَّةِ وإنْ قلَّتْ
وفيه: الحَثُّ على التَّكافُلِ الاجتِماعيِّ بيْن النَّاسِ، وخاصَّةً الجارَ
وفيه: الحَثُّ على الرَّحْمةِ بعبادِ اللهِ تعالَى، ومُراعاةِ خَواطرِهم