حديث بسر بن أرطاة 3
مستند احمد
حدثنا هيثم بن خارجة، حدثنا محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس، قال: سمعت أبي، يحدث [ص:171]، عن بسر بن أرطاة القرشي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة» قال عبد الله: وسمعته أنا من هيثم
الدُّعاءُ مُخُّ العِبادةِ، وهو يُعبِّرُ عنِ امْتلاءِ قَلْبِ المؤمِنِ بالثِّقةِ في اللهِ سُبحانَه، وقدْ علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَيفيَّةَ الدُّعاءِ بجَوامِعِ الكلِمِ، وبصِيَغٍ مَخصوصةٍ
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي بُسرُ بنُ أرْطأةَ -ويُقالُ: ابنُ أبي أرْطأةَ- رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَدْعو فيَقولُ: «اللَّهمَّ أحسِنْ عاقِبَتَنا في الأُمورِ كلِّها»، فاجعَلْ خاتِمةَ أُمورِنا، وآخِرَ كلِّ عَملٍ لنا حَسنًا، وجَزاءَها مَرْضيًّا؛ فإنَّ الأَعْمالَ بخَواتيمِها، وهذا يَشمَلُ كلَّ الأُمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنْيويَّةِ، وهذا أعَمُّ دُعاءٍ في شُمولِه لطلَبِ خَيرِ الدَّارَينِ، «وأجِرْنا مِن خَزيِ الدُّنْيا»، فاحْمِنا وجَنِّبْنا الوُقوعَ في الذُّلِّ والإهانةِ في الدُّنْيا ومَصائِبِها، وغُرورِها، وخِدَعِها، وتَسلُّطِ الأعْداءِ وشَماتَتِهم، وخَصَّ خِزْيَ الآخِرةِ بقولِه: «وعَذابِ الآخِرةِ» تَبعًا لقولِه تعالى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، وهذا الدُّعاءُ مِن جَوامِعِ الكَلِمِ وتَمامِه
وهذا مِن جِنسِ استِغْفارِ الأنْبياءِ ممَّا عَلِموا أنَّهم مَغْفورٌ لهم، ولكنَّه تَعليمٌ لأهْلِ الإيمانِ أنْ يَدْعوا اللهَ، ويَرْجوه، ويَتوبوا إليه، ويَتوَجَّهوا إليه بالخُضوعِ والخُشوعِ، فشَأنُ كلِّ عبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ إذا ازْدادَ قُربًا إلى اللهِ، وصارَ مِن المَحْبوبينَ له؛ أنْ يَزْدادَ خُضوعًا له، وتَضرُّعًا إليه، وتَذلُّلًا وتَمسُّكًا وعِبادةً، وكلَّما ارتَفَعَ عندَ ربِّه دَرَجةً زاد فيما يُحِبُّه اللهُ منه دَرَجاتٍ، هذا شأْنُ العُبوديَّةِ