حديث جابر بن سمرة السوائي115
مسند احمد
حدثنا عبد الله، حدثني أبو بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد، وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير، ويوسف الصفار، مولى بني أمية، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن سياه الثقفي، حدثنا عمران بن مسلم بن رياح، عن علي بن عمارة عن جابر بن سمرة، قال: كنت جالسا في مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي سمرة جالس أمامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الفحش، والتفحش (1) ليسا من الإسلام في شيء، وإن خير الناس إسلاما أحسنهم خلقا " (2) ، قال ابن أبي شيبة في حديثه: زكريا بن أبي يحيى، عن عمران بن رياح
الفُحْشُ مَذمومٌ كلُّه، وليس مِن أخْلاقِ المُؤمِنينَ؛ فيَنبَغي لِمَن ألْهَمَه اللهُ رُشدَه أنْ يَجتنبَ الفُحشَ، وأنْ يُعوِّدَ لسانَه طيِّبَ القَولِ، وله في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُسوةٌ حَسَنةٌ؛ فإنَّه كان لا يقولُ فُحشًا، ولا يُحِبُّ أنْ يَسمَعَه.
وهذا الحَديثُ له سَبَبٌ وقِصَّةٌ، وفيه تَحكِي عائشةُ أُمُّ المُؤمِنينَ رضِيَ اللهُ عنها: "أنَّه لَمَّا استأذنَ عليه رَجُلٌ مَعروفٌ بِفُحْشِ القَولِ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بِئْسَ أخو العَشيرةِ"، وأخو العَشيرةِ وابنُ العشيرةِ المُرادُ بهما أحَدُ أفْرادِ القَبيلةِ، وهي مِنَ الكلماتِ الشَّائعةِ عندَ العربِ، "فلمَّا دَخَلَ انبَسَطَ إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكلَّمَه"، أي: انشَرَحَ وابتَسَمَ له وتجاذَبَ معه الحَديثَ، فلمَّا غادَرَ الرَّجُلُ سألَتْ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَن هذا الفِعْلِ، وأنَّه قال على الرَّجلِ: بِئسَ أخو العَشيرةِ، ثُمَّ عامَلَه بهذه الطَّريقةِ؟! فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا عائشةُ، إنَّ اللَّه لا يُحِبُّ الفاحِشَ المُتفحِّشَ"، والفُحْشُ والتَّفحُّشُ يُقصَدُ به التَّعدِّي في القَولِ والفِعْلِ، لا الفُحْشُ الذي هو مِن رَديءِ الكَلامِ.
وفي روايةٍ في الصَّحيحِ: "يا عائِشَةُ، مَتَّى عهِدْتِني فَحَّاشًا؟! إنَّ شرَّ النَّاسِ عندَ اللهِ مَنزِلةً يَومَ القيامةِ مَن ترَكَه النَّاسُ؛ اتِّقاءَ شَرِّه"، والمُرادُ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ لَيسُبَّ الرَّجلَ أو يقولَ له كلامًا فاحشًا في مَجلسِه، ثُمَّ أخبَرَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ شَرَّ النَّاسِ عندَ اللهِ مَنزِلةً الذي يَجتَنِبُه النَّاسُ ويَترُكونَه؛ اتِّقاءَ شرِّه وفُحْشِه، وكان هذا الرَّجلُ منهم، ففَعَلَ معه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلكَ؛ مُداراةً اتِّقاءً لِشرِّه وفُحشِه، وليس فيه مُداهَنةٌ، والفَرْقُ بيْنَ المُداراةِ والمُداهَنةِ أنَّ المُداراةَ بَذْلُ الدُّنيا لصَلاحِ الدُّنيا أو الدِّينِ أو هُما معًا وهي مُباحةٌ، والمُداهَنةُ تَرْكُ الدِّينِ لصَّلاحِ الدُّنيا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما بَذَلَ للرَّجُلِ من دُنياه حُسْنَ عِشرَتِه والرِّفْقَ في الكَلامِ، ولم يَمدَحْه بقَولٍ، فلم يُناقِضْ قَولُه فيه فِعلَه، فإنَّ قَولَه فيه حَقٌّ، وفِعلَه معه حُسنُ عِشْرةٍ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ غِيبةِ المُعلِنِ بالفِسْقِ أو الفُحْشِ ونَحوِ ذلك.
وفيه: مَشروعيَّةُ مُداراةِ بعضِ الفَسَقةِ اتِّقاءً لشَرِّهم؛ ما لم يُؤَدِّ ذلك إلى المُداهَنةِ في دِينِ اللهِ تَعالى