‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 46

‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 46

حدثنا إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس، قال: دخل علي علي بيتي، فدعا بوضوء، فجئنا (1) بقعب يأخذ المد أو قريبه، حتى وضع بين يديه، وقد بال، فقال: يا ابن عباس، ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، فداك أبي وأمي. قال: " فوضع له إناء، فغسل يديه، ثم مضمض، واستنشق، واستنثر، ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه، وألقم إبهامه ما أقبل من أذنيه " قال: ثم عاد في مثل ذلك ثلاثا، ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى، فأفرغها على ناصيته، ثم أرسلها تسيل على وجهه، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، ثم يده الأخرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه وأذنيه من ظهورهما، ثم أخذ بكفيه من الماء، فصك بهما على قدميه، وفيهما النعل، ثم قلبها بها، ثم على الرجل الأخرى مثل ذلك. قال: فقلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين. قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين (1)

 قَوْلُهُ: "عَلَيَّ بَيْتِي" : - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - ; أَيْ: جَاءَ عِنْدِي فِي بَيْتِي.

"بِقَعْبٍ" : - بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ - ; أَيْ: بِقَدَحٍ ضَخْمٍ.

 "فَصَكَّ. . . إِلَخْ" : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَطَمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِكَرَاهَتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ هَا هُنَا: صَبُّ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِهِ.

 "وَأَلْقَمَ. . . إِلَخْ" : دَلِيلٌ لِمَنْ كَانَ يَغْسِلُ الْأُذُنَ مَعَ الْوَجْهِ، وَيَمْسَحُهَا مَعَ الرَّأْسِ; كَابْنِ شُرَيْحٍ.

 "ثَلَاثًا" : أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، أَوْ أَنَّهُ عَادَ تَمَامَ ثَلَاثٍ وَبَقِيَّتَهُ، لَا أَنَّهُ عَادَ ثَلَاثًا حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.

"فَأَفْرَغَهَا" : قِيلَ: كَأَنَّهُ بَقِيَ مِنْ أَعْلَى الْوَجْهِ شَيْءٌ، فَأَكْمَلَهُ بِهَذِهِ الصَّبَّةِ،

 وَقِيلَ: لَعَلَّهُ صَبَّ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ; لِيَتَحَقَّقَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ.

قُلْتُ: أَوْ لِلْغُرَّةِ.

وَقِيلَ: بَلْ إِسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى الْجَبْهَةِ بَعْدَ غُسْلِ الْوَجْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ جَاءَ بِهِ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْحَسَنَةِ.

 قَوْلُهُ: "عَلَى قَدَمَيْهِ" : هَكَذَا بِالتَّثْنِيَةِ فِي النُّسَخِ، وَالْمُرَادُ: إِحْدَى قَدَمَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ أَقْرَبُ.

"ثُمَّ قَلَبَهَا بِهَا" : أَيْ: صَرَفَ رِجْلَهُ بِالْحَفْنَةِ، وَحَرَّكَهَا عِنْدَ صَبِّهَا قَصْدًا; لِاسْتِيعَابِ الْغُسْلِ لِلرِّجْلِ.

قِيلَ: اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْحَ، وَلَا حُجَّةَ; لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ.

قُلْتُ: سُكُوتُ أَبِي دَاوُدَ يَقْتَضِي حُسْنَهُ عِنْدَهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ الْمَأْخُوذِ تَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الرِّجْلِ بِالْغُسْلِ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْكَفَّيْنِ جَمِيعًا، وَهَذَا الْقَدْرُ عَادَةً يَسْتَوْعِبُ الرِّجْلَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَلْبُ الرِّجْلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.