حديث جابر بن سمرة السوائي143
مسند احمد
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قصير، أشعث ذي عضلات، عليه إزار وقد زنى، فرده مرتين، قال: ثم أمر به فرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلما نفرنا غازين في سبيل الله، تخلف أحدهم (1) له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، إن الله لا يمكنني من أحد منهم إلا جعلته نكالا "، أو " نكلته "
الزِّنا مِن أعظَمِ الآثامِ الَّتي يرْتكِبُها الإنْسانُ، وهو مِن كبائرِ الذُّنوبِ في الإسْلامِ؛ حيثُ شدَّدَ اللهُ عُقوبَتَها في الدُّنيا والآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو سَعيدٍ الخُدْرِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجلًا مِن قَبيلةِ أَسْلَمَ يُقالُ له: مَاعِزُ بنُ مالكٍ، جاءَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إِنِّي أَصبْتُ فَاحشةً «فَأقِمْه عَلَيَّ» أي: الحدَّ، فَرجَعَه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَكثَرَ مِن مَرَّةٍ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسلمٍ: «وَيْحَكَ! ارجِعْ فاسْتغْفِرِ اللهَ وتُبْ إليْهِ» ظَنًّا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ ماعزًا رَضيَ اللهُ عنه ألَمَّ بذَنْبٍ لا يكونُ معه حدٌّ أو عُقوبةٌ دُنيويَّةٌ، وفي رِوايةِ مُسلمٍ السَّابقةِ سَأله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ فقالَ: مِنَ الزِّنَى»، فسَأل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَوْمَه عنه: أبِهِ جُنونٌ أو ما شابَهَ؟ فأجابُوه: ما نَعلَمُ به بأسًا، أي: مَرضًا، إلَّا أنَّه أصابَ شَيئًا، أي: فَعَلَ شيئًا، يَرى أنَّه لا يُخرِجُه منه إلَّا أنْ يُقامَ فيه الحدُّ، وهو العُقوبةُ المقرَّرةُ شَرعًا، فرَجَعَ مَاعزٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأقَرَّ على نَفسِه أربَعَ مرَّاتٍ، كما في رِوايةٍ لمسْلمٍ، فأمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ به أنْ يُرجَمَ، وهو حدُّ الزَّاني المتزوِّجُ أو الَّذي سَبَق له الزَّواجُ، والرَّجمُ هو الرَّمْيُ والقذْفُ بالحِجارةِ حتَّى الموتِ، فانطَلَقَ بِه الصَّحابةُ إلى بَقيعِ الغَرقَدِ، وهو مَكانٌ بجَوارِ المسجدِ النَّبويِّ مِن جِهةِ الشَّرقِ، وبه مَقبرةُ أهلِ المدينةِ، ولم يَربِطوه ولم يَحفِروا له في الأرضِ، ولكنْ رَمَوه بالعَظْمِ والمدَرِ، وهو الطِّينُ المتماسِكُ، و«الخزَفُ»: قِطَعُ الفَخَّارِ المُنكَسِرُ، فلمَّا أحَسَّ ماعزٌ رَضيَ اللهُ عنه بالألَمِ والوجَعِ، «اشتَدَّ واشْتدَدْنا خَلْفَه»، أي: أسْرَعَ لِلفرارِ وأسْرَعوا خَلْفَه، حتَّى أتى «عُرضَ الحرَّةِ»، أي: جانِبَها، والحَرَّةُ بُقعةٌ بالمدينةِ ذاتُ حِجارةٍ سُودٍ، فوقَفَ لهم، فَرَموهُ بِجَلاميدِ الحَرَّةِ، يعني: الحجارةَ الكِبارَ، حتَّى ماتَ، ثُمَّ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطيبًا مِنَ العَشِيِّ -وهو آخِرُ النَّهارِ- فقال: أوَكُلَّما انْطلَقْنا غُزاةً في سَبيلِ اللهِ تَخلَّفَ رجُلٌ في عِيالِنا، له نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، وهو الصَّوتُ الَّذي يَحصُلُ له مِن شِدَّةِ الشَّهوةِ والرَّغبةِ في الجماعِ، والتَّيسُ: الفحلُ مِن الغنَمِ، والمرادُ أنَّ بعضَ النَّاسِ يُظهِرون شَهوتَهم على النِّساءِ المُغِيباتِ بعْدَ ما خَرَج رِجالُهنَّ إلى الغزوِ، ولعلَّ بعْضَ المنافِقِين كانوا يَفعَلون ذلك. «عليَّ ألَّا أُوتَى بِرجلٍ فَعلَ ذلكَ إلَّا نَكَّلْتُ به»، أي: فلِيكُنْ لازمًا علَيَّ هذا الشَّأنُ، وهو ألَّا أُوتى بِرجُلٍ فَعلَ الفُجورَ بِإحدى زَوجاتِ الغُزاةِ إلَّا فَعلْتُ به مِنَ العقوبةِ ما يكونُ عِبرةً لِغيرِه، وهذا فيه تَهديدٌ وتَخويفٌ حتَّى لا يُقدِمَ مَن تُحدِّثُه نفْسُه بسُوءٍ إلى فِعلِ تلك الفاحشةِ الَّتي هي مِن أعظَمِ الفواحشِ، وهي الزِّنا.
ويُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَستغفِرْ لِماعزٍ رَضيَ اللهُ عنه ولا سَبَّه، أمَّا عدَمُ السَّبِّ؛ فَلأنَّ الحدَّ كفَّارةٌ له مُطهِّرَةٌ له مِن مَعصيَتِه، وأمَّا عدَمُ الاستغفارِ؛ فَلِئلَّا يَغترَّ غيرُه فَيقعَ في الزِّنا؛ اتِّكالًا على استغفارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد ورَدَ في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ بُرَيدةَ الأسلميِّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لأصحابِه: «استَغفِروا لِماعزِ بنِ مالكٍ، قال: فقالوا: غَفَر اللهُ لِماعزِ بنِ مالكٍ، قال: فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقدْ تابَ تَوبةً لوْ قُسِمَت بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهم»، فإمَّا أنْ يكونَ أخبَرَ كلُّ راوٍ بما رَأى، وإمَّا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَستغفِرْ له في أوَّلِ الأمرِ فيما بَدا له، ثمَّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استَغفَرَ له بأمرٍ مِن الوحيِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على السَّعيِ في تَطهيرِ النَّفْسِ مِن الذُّنوبِ في الدُّنيا؛ لعِتقِها مِن النَّارِ في الآخرةِ.
وفيه: ثُبوتُ حَدِّ الرَّجمِ على الزَّاني المحْصَنِ.
وفيه: التَّثبُّتُ مِن الحدودِ قبْلَ إقامتِها على أصحابِها.
وفيه: أنَّ مِن وَسائلِ ثُبوتِ الحدِّ الإقرارَ به.