حديث جابر بن سمرة السوائي61
مسند احمد
خُطبَةُ الجُمُعةِ شَعيرةٌ عظيمةٌ مِن شَعائرِ الدِّينِ، ويُحرَصُ فيها علَى الإبلاغِ وإسْماعِ الحاضِرينَ؛ ليَتعلَّموا من الخَطيبِ ما يُقَرِّبُهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وما يُرغِّبُهم فيما عِندَ اللهِ تعالى مِن الثوابِ، وما يُحوِّفُهم مِن عِقابِه بالمواعِظِ المُؤثِّرةِ.وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه عن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في خُطبةِ الجُمُعةِ، وأنَّها تَتكوَّنُ مِن خُطبَتَينِ قبْلَ الصَّلاةِ، يَعِظُ فيهما النَّاسَ، ويُعلِّمُهم مِن أُمورِ دِينِهم ودُنْياهم، وكانت صِفَتُهما: أنْ يَقِفَ لهما على المِنبرِ، ويَفصِلَ بيْنَهما بجِلسةٍ خَفيفةٍ للاستِراحةِ، ويَكونَ مُقبِلًا على النَّاسِ بوَجْهِه، ومِثلُها خُطبةُ العيدَينِ، إلَّا أنَّها تَكونُ بعْدَ الصَّلاةِ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أوَّلِ أمْرِه يَقِفُ على جِذْعِ نَخلةٍ، ثمَّ تحَوَّلَ منه إلى المِنبرِ.
الطَّهارةُ والصَّلاةُ شِعارُ المؤمِنِ، والإسلامُ دينٌ يَحُثُّ على أداءِ العِباداتِ في المكانِ والزَّمانِ المُناسِبِ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أصحابَه ما يَتعلَّقُ بذلك، وما يُباحُ فِعلُه، وما لا يُباحُ.
وفي هذا الحديثِ يَروي جابرُ بنُ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا سَألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الوُضوءِ من لُحومِ الغَنَمِ وعنِ الصَّلاةِ في مَرابِضِها، فأجابَ بأنَّ الأكلَ من لُحومَ الغَنَمِ لا يُوجِبُ الوُضوءَ؛ فإن شاءَ أن يَتوضَّأ تَوضَّأ، وإن لم يَشَأْ فلا، وأجابَ بأنَّ الصَّلاةَ في مَرابِضِها جائزةٌ، وعندَ أبي داودَ: «وسُئلَ عنِ الصَّلاةِ في مَرابِضِ الغَنَمِ، فقالَ: صَلُّوا فيها فإنَّها بَرَكةٌ» من حيثُ هُدوؤها ولينُ جانِبِها، وقِلَّةُ حرَكتِها. وسألَه الرَّجلُ عنِ الوُضوءِ من لُحومِ الإبلِ والصَّلاةِ في مَبَارِكِها، فأجابَ بأنَّ أكْلَ لَحمِ الإبلِ يُوجِبُ الوُضوءَ، ونَهى عنِ الصَّلاةِ في مَرابِضِها. ومَرَابِضُ الغَنَمِ ومَبَارِكُ الإبِلِ هي الأماكنُ الَّتي يَبيتُ فيها كلٌّ منهما.
وسَببُ النَّهيِ عن الصَّلاةِ في مَباركِ الإبل؛ قيل: لأنَّ الإبلَ لشِدَّة نَفارِها لا يُؤمَنُ نُفورُها، وقد يَلحَقُ المُصلِّي ضَررٌ أو أذًى، أو تَقطَعُ الصَّلاةَ عليه بشِدَّةِ نِفارِها؛ فلا يكونُ له حُضورُ قلبٍ، وقد يَتعلَّقُ قلبُه لذلك مَخافةَ أن تَطأَه وتُهلِكَه.
وقيل: لأنَّ مَبارِكَ الإبلِ مَواضِعُ أقذارٍ ورَوائحَ كَريهةٍ وشَديدةِ النَّتنِ، فنُهي عنِ الصَّلاةِ فيها. وقيل غَيرُ ذلك، وعندَ أبي داودَ أنَّه قالَ: «لا تُصَلُّوا في مَبارِكِ الإبلِ؛ فإنَّها منَ الشَّياطينِ» الَّتي تَشغَلُ المُصلِّيَ بالوَسوسةِ، والذي يَنبغي هو الوقوفُ على مُقتَضَى النَّهيِ عنِ الصَّلاةِ في مَباركِ الإبلِ، سواءٌ عُلِمت العِلَّةُ من ذلك النَّهيِ أم لا.