حديث جبير بن مطعم 18
مسند احمد
حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثني سليمان بن موسى، عن جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عرفات موقف، وارفعوا عن بطن عرنة، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح»
الحجُّ رُكنٌ مِن أَركانِ الإسْلامِ، وهو عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليه سَبيلًا، وتُؤخَذُ جَميعُ أَعمالِه مِن سُنَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وهذا الحديثُ يُوَضِّحُ جانِبًا مِن جَوانِبِ حَجِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ، ويُبيِّنُ رِفْقَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشَفَقتَه بأُمَّتِه في الوُقوفِ بعَرَفةَ والمُزدَلِفةِ وفي الذَّبْحِ في مِنًى؛ حيثُ قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كُلُّ عَرَفاتٍ مَوقِفٌ"، والمُرادُ به: أرض عرفات، مِن مَناسِكِ الحَجِّ وأَركانِه، والوُقوفُ يَكونُ في يومِ التَّاسِعِ مِن ذي الحِجَّةِ، والمعنى: أنَّ الواقِفَ فيه بأيِّ جُزْءٍ مِن أَجزائِه آتٍ بسُنَّتِه، مُتَّبِعٌ لطَريقتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولو بَعُدَ ذلك المَوقِفُ عن مَوقِفِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما قالَ لهم ذلك تَطْييبًا لقُلوبِهم؛ لئلَّا يَحزَنوا على بُعْدِهم عن مَوقِفِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فيَظُنُّوا أنَّ ذلك نَقْصٌ في حَجِّهم، أو يتَوهَّموا أنَّ ذلك المَكانَ ليس مَوقِفًا يُعتَدُّ به؛ لبُعْدِه عن مَوقِفِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. "وارْفَعوا عن بَطْنِ عُرَنةَ"، أيِ: ابْتَعِدوا عنه، وهو وادٍ بجِوارِ عَرَفةَ وليس منها، وعليه الحَدُّ القِبليُّ لمَسجِدِ نَمِرةَ، ويقَعُ فيه مُصلَّى الإمامِ، "وكُلُّ مُزدَلِفةَ مَوقِفٌ"، أي: لا يختَصُّ في الوُقوفِ فيها مَكانٌ بعَينِه، والمُزدَلِفةُ هي: المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بعْدَ الإفاضةِ مِن عَرفاتٍ ويَبيتون فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشْعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى. "وارْفَعوا عن بَطْنِ مُحسِّرٍ"، أي: ابْتَعِدوا عنه، وذلك عندَ الوُقوفِ والمَبيتِ بالمُزدَلِفةِ، ووادي مُحسِّرٍ هو: مَوضِعٌ بيْنَ مِنًى ومُزدَلِفةَ، وقيلَ: سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ فِيلَ أَبرَهةَ تَعِبَ فيه وأَعْيا، فحَسَّرَ أَصحابَه بفِعلِه، وأَوقَعَهم في الحَسَراتِ، وقيلَ: يُسمَّى أيضًا واديَ النَّارِ؛ لأنَّ رَجُلًا صادَ فيه فنزَلَتْ عليه نارٌ فأحرَقَتْه، "وكُلُّ فِجاجِ مِنًى مَنْحَرٌ" أي: أنَّ كُلَّ مَوضِعٍ منها يَصِحُّ فيه نَحْرُ الهَدْيِ، ومِنًى: وادٍ قُرْبَ الحَرَمِ المَكِّيِّ يَنزِلُه الحُجَّاجُ ليَرْموا فيه الجِمارَ، "وكُلُّ أيَّامِ التَّشْريقِ ذَبْحٌ"، وأيَّامُ التَّشريقِ هي: ثلاثةٌ بعْدَ يومِ النَّحْرِ، وهي: الحادي عَشَرَ والثَّاني عَشَرَ والثَّالثَ عَشَرَ مِن شَهْرِ ذي الحِجَّةِ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لتَشْريقِ النَّاسِ لُحومَ الأَضاحِيِّ فيها، وهو تَقديدُها ونَشْرُها في الشَّمْسِ لتَجفيفِها، وهذه كانتْ حالَهم في الصَّدرِ الأوَّلِ مِن الإسْلامِ. والمُرادُ: أنَّ نَحْرَ الهَدْيِ لا يَختَصُّ فقطْ بيَومِ النَّحْرِ، وهو يومُ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، بلِ الأيَّامُ الثَّلاثةُ التي تَعقُبُه هي أَوقاتٌ للنَّحْرِ