حديث جبير بن مطعم 3
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان المطعم بن عدي حيا فكلمني في هؤلاء النتنى أطلقتهم» يعني أسارى بدر
مَنْ لم يَشكُرِ النَّاسَ لم يَشكُرِ اللهَ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثَرَ النَّاسِ حِفظًا للحقِّ والجميلِ مع إنزالِ النَّاسِ مَنازِلَهم، وإعطائهِم قِيمتَهم وقَدْرَهم الذي يَستحِقُّونه، وكان المُطعِمُ بنُ عَدِيٍّ هو الَّذي سَعى في نَقْضِ الصَّحيفةِ الَّتي عَلَّقَتها قُريشٌ على الكَعْبةِ، وفيها مُقاطَعةُ بَني هاشِمٍ وبَني المُطَّلِبِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحفَظُ له هذا الجميلَ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جُبيرُ بنُ مُطعِمٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال بعْدَ غَزوَةِ بَدْرٍ التي وقَعَت في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجرةِ: لو كان المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حيًّا وكَلَّمني في أنْ أعْفُوَ عن هؤلاء النَّتْنَى مِن الأَسْرى المشركينَ في بَدرٍ؛ لتَرَكْتُهم له، ولَأَطْلَقْتُ سَراحَهم بغيرِ فِداءٍ؛ إكرامًا له، ورَدًّا لجَميلِه، ومُكافأةً له لمَّا كان أحسَنَ السَّعيَ في نَقْضِ الصَّحيفةِ التي كَتَبَتْها قُريشٌ، ولأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا رَجَعَ مِن الطَّائفِ لمكَّةَ، رَجَعَ في جِوارِه، وكانت وَفاةُ المُطعِمِ في صَفَرَ سَنةَ اثنتينِ مِن الهجرةِ قبْلَ بَدْرٍ بنحْوِ سَبعةِ أشهُرٍ
ويَحتمِلُ أنَّه أراد بذلك تَطييبَ قلْبِ ابنِه جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ وتَأليفِه على الإسلامِ، مع ما في ذلك مِن التَّعريضِ بالتَّعظيِم لشَأنِ الرَّسولِ وتَحقيرِ حالِ هؤلاء الكَفَرةِ، مِن حيثُ إنَّه لا يُبالي بهم وبتَرْكِهم لمُشرِكٍ كانت له عِنده يَدٌ
والنَّتْنَى جمْعُ نَتِنٍ، بمَعنى مُنْتِنٍ، وإنَّما سمَّاهم نَتْنى؛ إمَّا لرِجْسِهم الحاصلِ مِن كُفْرِهم، أو لأنَّ المُشارَ إليهم همْ مَن صارَت أبدانُهم جِيَفًا مُنْتِنةً مُلْقاةً في بِئرِ بَدْرٍ، فلو كلَّمَه فيهم لسَلَّمَه جُثَثَهم
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ المَنِّ على الأسارى، وإطلاقِهم بغيرِ فِداءٍ
وفيه: مَشروعيَّةُ تَشفيعِ الشَّريفِ للمُذنِبِينَ على سَبيلِ تَأليفِ قَلْبِه
وفيه: بَيانُ حُسْنِ المُكافَأةِ على ما تَقدَّمَ مِن الجَميلِ