حديث خالد بن الوليد 3
مستند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة [ص:13]، عن خالد بن الوليد، قال: كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام، فأغلظت له في القول، فانطلق عمار يشكوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء خالد وهو يشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فجعل يغلظ له، ولا يزيده إلا غلظة، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، فبكى عمار، وقال: يا رسول الله، ألا تراه؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، قال: «من عادى عمارا، عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله» قال خالد: «فخرجت، فما كان شيء أحب إلي من رضا عمار، فلقيته فرضي» قال عبد الله: «سمعته من أبي [ص:14]، مرتين»
لِعَمَّارِ بنِ ياسِرٍ رَضيَ اللهُ عنه مَناقِبُ وفَضائِلُ في الإسلامِ، وقد كانَتْ له مَكانةٌ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي هذا الحَديثِ بيانٌ لبعضِ فَضائلِه، ولعظيمِ مَنزلتِه عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفيه يحكي التَّابِعيُّ الأشتَرُ النَّخَعيُّ أنَّه: "كانَ بَينَ عَمَّارٍ وبَينَ خالِدِ بنِ الوَليدِ كَلامٌ" يعني: أنَّه حَدَثَ بَينَهما مُناوَشةٌ وخُصومةٌ واختِلافُ آراءٍ مما يَحدُثُ عادةً بين الإخوانِ والأقرانِ، "فشَكاهُ عَمَّارٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّه مَن يُعادِ عَمَّارًا يُعادِه اللهُ عَزَّ وجَلَّ"، أي: مَن وَقَعَ في عَداوةٍ بلِسانِه مع عَمَّارٍ فإنَّه يُعرِّضُ نَفْسَه لِمُعاداةِ اللهِ سُبحانَه، "ومَن يُبغِضْه يُبغِضْه اللهُ عَزَّ وجَلَّ" والبُغضُ هو الكُرهُ بالقَلبِ، ومَن كَرِهَ عَمَّارًا كَرِهَه اللهُ، "ومَن يَسُبَّه يَسُبَّه اللهُ عَزَّ وجَلَّ" والسَّبُّ في اللُّغةِ الشَّتمُ والتَّكلُّمُ في عِرضِ الإنسانِ بما يَعيبُه، وهو مِنَ اللهِ سُبحانَه أنَّه يُعرِّضُ السَّابَّ لِمِثلِ ما قالَه في حَقِّ عَمَّارٍ. وهذا مِن كَرامةِ عَمَّارٍ على اللهِ سُبحانَه وعلى رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد شَهِدَ له بالإيمانِ، وأوجَبَ تَعظيمَه وتَكريمَه وحُبَّه، فمَن تَعرَّضَ لِعَمَّارٍ بالعَداوةِ أوِ الكُرهِ أوِ الشَّتمِ فهو رادٌّ لِمَا أوجَبَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الكَرامةِ لِعَمَّارٍ، ومَن رَدَّ ما أوجَبَه رَسولُ اللهِ فقد رَدَّ ما أوجَبَه اللهُ تَعالى، واستَحَقَّ العِقابَ مِنَ اللهِ مِن جِنسِ عَمَلِه؛ فمَن عادى عَمَّارًا عُوقِبَ مِنَ اللهِ بالعَداوةِ، وهكذا، ورُبَّما يَكونُ ذلك مَحمولًا على التَّهديدِ والوَعيدِ. ولقد دَلَّتِ السُّنَّةُ النَّبويَّةُ المُطَهَّرةُ على تَحريمِ سَبِّ الصَّحابةِ والتَّعرُّضِ لهم بما فيه نَقصٌ، وتَجريحٌ أو طَعنٌ فيهم وحَطٌّ مِن قَدْرِهم، وحَذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوُقوعِ في ذلك؛ لِأنَّ اللهَ تَعالى اختارَهم لِصُحبةِ نَبيِّه، ونَشرِ دِينِه وإعلاءِ كَلِمَتِه، وقدْ بَلَغوا الذِّروةَ في مَحَبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ