مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 360
حدثنا عبيدة بن حميد، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن رجل، عن ابن عباس، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فعرس من الليل فرقد، فلم يستيقظ إلا بالشمس "، قال: " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن، فصلى ركعتين " قال: فقال ابن عباس: " ما تسرني الدنيا وما فيها بها - يعني الرخصة - "
الصَّلاةُ والعِباداتُ أُمورٌ تَوقيفيَّةٌ، لا بدَّ أنْ تُفعَلَ كما علَّمَها لنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحديثِ تَعليمٌ وتَربيةٌ نَبويَّةٌ لمَن نسِيَ الصَّلاةَ أو غفَلَ عن وقْتِها؛ حيثُ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين قفَلَ"، أي: رجَعَ مُتوجِّهًا إلى المدينةِ، "مِن غَزوةِ خيبرَ" وكانت في المُحرَّمِ سَنةَ سبْعٍ من الهجرةِ، وكانت بين المُسلِمين واليهودِ، وخيبرُ بلدةٌ تقَعُ شمالَ المدينةِ على طَريقِ الشَّامِ، تبعُدُ عن المدينةِ 165 ميلًا (264 كم)، "فسار ليلَه، حتَّى إذا أدرَكَه الكَرى" وهو النُّعاسُ، وقيل: النَّومُ، "عرَّسَ" من التَّعريسِ، أي: نُزولِ المُسافرِ آخِرَ اللَّيلِ للاستراحةِ، أيَّ وقْتٍ كان من ليلٍ أو نَهارٍ، "وقال لبِلالٍ: اكْلَأْ لنا اللَّيلَ"، أي: احفَظْ واحرُسْ لنا اللَّيلَ؛ لإدراكِ الصُّبحِ في وقْتِه، "فصَلَّى بِلالٌ ما قُدِّرَ له"، أي: ما تيسَّرَ له من التَّهجُّدِ وصَلاةِ اللَّيلِ، "ونام رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه، فلمَّا تقارَبَ الفجْرُ"، أي: قرُبَ وقْتُه، "استنَدَ بِلالٌ إلى راحلتِه"، أي: جلَسَ إلى الرَّاحلةِ واعتمَدَ عليها في جِلْسَتِه، والرَّاحلةُ: النَّاقةُ أو الجمَلُ الَّذي يُتَّخَذُ لسفَرٍ، "مُواجِهَ الفجْرِ"، أي: مُتوجِّهًا لموضعِ وِجْهةِ طُلوعِ الفجْرِ ليَرقُبَه؛ حتَّى يُوقِظَهم عقِبَ طُلوعِه، "فغلَبَتْ بِلالًا عيناهُ وهو مُستنِدٌ إلى راحلتِه"، أي: نام وهو على تلك الحالِ حتَّى فاته وقْتُ الفجْرِ، "فلم يستيقِظْ بِلالٌ ولا أحدٌ من أصحابِه حتَّى ضرَبَتْهم الشَّمسُ"، أي: أصابَتْهم، ووقَعَ عليهم حَرُّها وشُعاعُها.
قال: "فكان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلَهم استيقاظًا، ففزِعَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: هَبَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقام من نَومِه، وانتبَهَ إلى فَواتِ وقْتِ الصُّبحِ، "فقال: أيْ بِلالُ"، أي: نادى بِلالًا، على جِهَةِ العتابِ، كأنَّه قال: لِمَ نِمْتَ حتَّى فاتَتْنا الصَّلاةُ؟ "فقال بِلالٌ: أخَذَ بنَفْسي الَّذي أخَذَ بنفْسِك"، أي: يُشيرُ إلى أنَّ غَفلَتَه عن الفجْرِ كانت بسبَبِ النَّومِ، "بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ"، أي: فِداك أبي وأُمِّي، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه: "اقْتادُوا"، أي: سُوقوا رَواحِلَكم ودَوابَّكم، واخْرُجوا من هذا الموضعِ، قال أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فاقْتادوا"، أي: الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم، "رَواحِلَهم شيئًا"، أي: يَسيرًا من الزَّمانِ، أو اقتيادًا قليلًا من المكانِ، فذَهَبوا مَسافةً قليلةً، ولم يقْضِ الصَّلاةَ في ذلك المكانِ، "ثمَّ توضَّأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأمَرَ بِلالًا، فأقامَ الصَّلاةَ، فصَلَّى بهم الصُّبحَ"، وفي حديثِ أبي قَتادةَ الأنصاريِّ رضِيَ اللهُ عنه الَّذِي أخْرَجَه البَيهَقِيُّ في سُننِه: " ثُمَّ نَادَى بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ"، قال أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فلمَّا قضى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلاةَ"، أي: فرَغَ منها، "قال: مَن نسِيَ صَلاةً" وفي معنى النِّسيانِ النَّومُ، أو مَن فاته وقْتُها بنومٍ أو نِسيانٍ، "فلْيُصلِّها إذا ذكَرَها؛ فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]"، أي: أقِمِ الصَّلاةَ لذكْرِها؛ لأنَّه إذا ذكَرَها فقد ذكَرَ اللهَ تعالى
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ قَضاءِ سُنَّةِ الفجْرِ وصَلاةِ فريضةِ الصُّبحِ بعدَ طُلوعِ الشَّمسِ لمَن غلَبَه النَّومُ عندَ وقْتِ الفجْرِ