‌‌حديث خباب بن الأرت عن النبي صلى الله عليه وسلم2

مسند احمد

‌‌حديث خباب بن الأرت عن النبي صلى الله عليه وسلم2

حدثنا علي بن عياش الحمصي، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، ح وأبو اليمان، أخبرنا شعيب، قال: وقال الزهري: حدثني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن خبابعن أبيه خباب بن الأرت، مولى بني زهرة، وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: راقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ليلة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها حتى كان مع الفجر، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاءه خباب، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أجل إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي ثلاث خصال: فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا، فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يظهر علينا عدوا غيرنا، فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها " (1)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَجتهِدُ في العِبادةِ، ويَسأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ بما فيه الصَّالِحُ للدِّينِ والأمَّةِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ خبَّابُ بنُ الأرَتِّ رَضِي اللهُ عَنه: "صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صلاةً فأطالها"، أي: أطال فيها، إشارةً إلى أنَّ هذا على خلافِ العادةِ منه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "يا رسولَ اللهِ، صلَّيتَ صلاةً لم تَكُنْ تُصلِّيها"، أي: على غيرِ العادةِ في طُولِها.
وفي روايةٍ: أنَّها كانَت صلاةَ اللَّيلِ، وأنَّ الَّذي سأَله هو خَبَّابٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أجَلْ، إنَّها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ"، أي: إنَّ سبَبَ إطالَتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للصَّلاةِ أنَّه قصَد فيها رغبةً فيما عِندَ اللهِ مِن إجابتِه الدُّعاءَ، وخَشِي ألَّا يَستجيبَ اللهُ له، "إنِّي سألتُ اللهَ فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتَين ومنَعَني واحدةً"، أي: دعَوتُ اللهَ عزَّ وجلَّ بثلاثِ دعَواتٍ استَجاب لاثنَينِ مِنها وردَّ ومنَع الثَّالثةَ، "سألتُه: ألَّا يُهلِكَ أمَّتي بسَنةٍ"، أي: بقَحْطٍ ومَجاعةٍ تَستأصِلُهم وتُضعِفُهم، "فأَعْطانيها"، أي: أجاب اللهُ عزَّ وجلَّ له تِلك الدَّعوةَ، "وسأَلتُه ألَّا يُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن غيرِهم"، أي: ولا يَكونَ هَلاكُهم بعَدوٍّ مِن الكفَّارِ يَستبيحُهم، فيَستأصِلُهم ويُضعِفُهم، "فأعطانيها"، أي: فأجابَه اللهُ عزَّ وجلَّ الثَّانيةَ، "وسَألتُه ألَّا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ"، أي: ألَّا يقَعَ بينَهم فُرقةٌ وقِتالٌ تُهلِكُهم وتُضعِفُهم، "فمَنَعَنيها"، أي: لم يُجِبِ اللهُ عزَّ وجلَّ له تلك الدَّعوةَ، وفي هذا ورَد قولُه تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65].
وفي الحديثِ: بيانُ ما كان عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن شفَقةٍ على أمَّتِه، ورأفةٍ بهم.
وفيه: علامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.