حديث ذي مخبر الحبشي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنه ابن أخي النجاشي، ويقال: ذي مخمر 3
مستند احمد
حدثنا محمد بن مصعب هو القرقساني، قال: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن ذي مخمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تصالحون الروم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم، فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم، فيرفع الصليب، ويقول: ألا غلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم، فيجتمعون إليكم، فيأتونكم في ثمانين غاية، مع كل غاية عشرة [ص:34] آلاف "
مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أخبَرَ بما يَقَعُ مِن أحداثٍ في آخِرِ الزَّمانِ مِنَ الفِتَنِ والمَلاحِمِ التي سَتَقَعُ بَينَ المُسلِمينَ والكُفَّارِ
ومِن ذلك قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تُصالحونَ الرُّومَ صُلحًا آمِنًا، أي: سَوف يَتَصالَحُ المُسلمونَ مَعَ الرُّومِ، فيَكونُ فيه أمانٌ للجَميعِ، فيَأمَنُ فيه المُسلِمونَ والكُفَّارُ على أهليهم وأموالِهم، حَتَّى تَغزونَ أنتُم وهم عَدُوًّا، أي: ثُمَّ يَتَّفِقُ المُسلمونَ والرُّومُ على قِتالِ عَدوٍّ لَهم مُشتَرَكٍ، مِن ورائِهم، أي: خَلفِهم. فتُنصَرونَ أي: يَتَحَقَّقُ لكُمُ النَّصرُ، وتَغنَمونَ، أي: تَحصُلونَ على المَغانِمِ مِنَ الأموالِ والأسلحةِ وغَيرِها، وتَنصَرِفونَ، أي: تَرجِعونَ مِنَ الغَزوِ أنتُم والرُّومُ مَعًا، حَتَّى تَنزِلوا بمَرجٍ، وهيَ أرضٌ واسِعةٌ ذاتُ نَباتٍ كَثيرٍ تَمرُجُ فيه الدَّوابُّ، أي: تُخلَّى وتَسرَحُ حَيثُ شاءَت مُختَلِطةً. ذي تُلولٍ. وهو المَوضِعُ المُرتَفِعُ، فيَقولُ قائِلٌ مِنَ الرُّومِ: غَلَبَ الصَّليبُ. وهو رَمزُ النَّصارى، والصَّليبُ: عِبارةٌ عن خَشَبةٍ مُرَبَّعةٍ يَدَّعونَ أنَّ عيسى عليه السَّلامُ صُلِب على خَشَبةٍ كانت على تلك الصُّورةِ، والمَعنى: أنَّ دينَ النَّصارى هو الذي انتَصَرَ؛ قَصدًا لإبطالِ الصُّلحِ أو لمُجَرَّدِ الافتِخارِ وإيقاعِ المُسلمينَ في الغَيظِ، ويَقولُ قائِلٌ مِنَ المُسلمينَ: بَل اللَّهُ غَلَبَ، أي: أنَّ النَّصرَ كان مِن عِندِ اللهِ. فيَتَداولانِها بَينَهم، أي: كُلٌّ يُكَرِّرُ مَقولَتَه، فيَثورُ، أي: يَغضَبُ المُسلمُ ويَثِبُ إلى صَليبِهم، أي: مَكانِ وُجودِ عَلامةِ الصَّليبِ، وهم مِنهم غَيرُ بَعيدٍ، أي: مَكانُ وُجودِ الصَّليبِ غَيرُ بَعيدٍ مِنَ الرُّومِ، فيَدُقُّه، أي: يَكسِرُ المُسلمُ هذا الصَّليبَ، فعِندَ ذلك يَثورُ الرُّومُ إلى كاسِرِ صَليبِهم فيَقتُلونَه، أي: يَنتَقِمونَ لصَليبِهم بقَتلِ المُسلمِ الذي كَسَرَ صَليبَهم. فيَثورُ المُسلمونَ إلى أسلحَتِهم، أي: يَقومونَ بسُرعةٍ فيَقتُلونَ، أي: يُقاتِلونَ النَّصارى بسَبَبِ قَتلِهم للمُسلمِ، فيُكرِمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ تلك العِصابةَ، أي: الجَماعةَ مِنَ المُسلمينَ بالشَّهادةِ، أي: أنَّهم يُستَشهَدونَ جَميعًا، فيَقولُ الرُّومُ لصاحِبِ الرُّومِ، أي: مَلِكِ الرُّومِ: كَفيناك جَدَّ العَرَبِ! وجَدُّ العَرَبِ هو قَيذَرُ بنُ إسماعيلَ، والمَعنى: أنَّنا كَفيناك أمرَ المُسلمينَ، فيَغدِرونَ، أي: يَقَعُ الغَدرُ ونَقضُ الصُّلحِ مِنَ الرُّومِ، فيَجتَمِعونَ للمَلحَمةِ، أي للحَربِ، والمَلحَمةُ: الحَربُ ومَوضِعُ القِتالِ، والجَمعُ المَلاحِمُ، مَأخوذٌ مِنِ اشتِباكِ النَّاسِ واختِلاطِهم فيها، فيَأتونَكُم، أي: الرُّومُ، تَحتَ ثَمانينَ غايةً، أي: رايةً، تَحتَ كُلِّ غايةٍ اثنا عَشَرَ ألفًا، أي: أنَّ عَدَدَهم كَثيرٌ جِدًّا قُرابةَ 960000 مُقاتِلٍ
وفي الحَديثِ بَيانُ عَلَمٍ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ
وفيه مَشروعيَّةُ المُصالَحةِ مَعَ الكُفَّارِ
وفيه اتِّفاقُ المُسلمينَ والكُفَّارِ على قِتالِ عَدوٍّ مُشتَرَكٍ
وفيه بَيانُ غَيرةِ المُسلمِ على دينِه
وفيه بَيانُ نَقضِ الرُّومِ للعَهدِ
وفيه إكرامُ اللهِ تعالى أولياءَه بالشَّهادةِ
وفيه بَيانُ كَثرةِ عَدَدِ الرُّومِ في قِتالِ المَلحَمةِ في آخِرِ الزَّمانِ