حديث رفاعة بن رافع الزرقي 4
مستند احمد
قرأت على عبد الرحمن بن مهدي: مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن علي بن يحيى الزرقي، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي يوما وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال: «سمع الله لمن حمده» قال رجل وراءه: ربنا لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من المتكلم آنفا؟» قال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا»
الصَّلاةُ صِلةٌ بيْن العبْدِ وربِّه، فيَنْبغي على المسلمِ أنْ يُؤدِّيَها على الوجْهِ الَّذي يُقرِّبُه مِن اللهِ تعالَى، وأنْ يُقِيمَها وَفْقَ الأحكامِ التي علَّمَنا إيَّاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ تَفاصيلِها
وفي هذا الحديثِ يَأمُرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهُ إذا قالَ الإمامُ في الصَّلاةِ -فَرْضًا كانت أو نفْلًا- بعْدَ الرَّفعِ مِن الرُّكوعِ: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه»، ومعناهُ: استَجابَ اللهُ وقَبِلَ دُعاءَ مَن حَمِدَه. وقيلَ: هذا خبَرٌ بمَعْنى الدُّعاءِ، أيْ: استَجِبْ يا اللهُ دُعاءَ مَن حَمِدَك، وهذا مِن الإمامِ دُعاءٌ للمأمومِ، فإذا قالَ الإمامُ ذلِك فعلَى المأْمومِ أنْ يقولَ: «اللَّهُمَّ ربَّنا لكَ الحمْدُ»، أي: على هِدايتِنا لِذلكَ؛ فإنَّه إذا وافَقَ قَولُ المأمُومِ قَولَ الملائكةِ، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ للمَأمومِ ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِهِ. وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ الملائكةَ يَقولون مع المُصلِّي هذا القولَ، ويَستغفِرون له، ويَحضُرونه بالدُّعاءِ والذِّكرِ؛ وذلك لأنَّ الملائكةَ تَحضُرُ الجَماعاتِ في الصَّلاةِ، وتَستكثِرُ مِن الخيرِ، فيَدْعُونَ اللهَ تعالَى ويَحْمَدونَه مع المُصلِّين، وتُرفَعُ أقوالُهم؛ فمَن قال معهم مِن المصلِّين: «ربَّنا لك الحمدُ»، صَعِد قولُه وحَمْدُه مع أقوالِ الملائكةِ وحَمْدِهم -وهم الأطهارُ الأخيارُ-؛ فيُغفَرُ له ذُنوبُه المُتقدِّمةُ، والمقصودُ بالذُّنوبِ هُنا: الصَّغائرُ، وأمَّا الكَبائرُ فإنَّه لا بُدَّ لها مِن تَوبةٍ
وفي الحديثِ: الإرشادُ إلى مُتابَعةِ الإمامِ في صَلاةِ الجَماعةِ
وفيه: أنَّ حَمْدَ اللهِ سَببٌ في الغُفرانِ
وفيه: تَعظيمُ فضْلِ الذِّكرِ، وأنَّه يحُطُّ الأوزارَ ويَغفِرُ الذُّنوبَ أيضًا