‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه103

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه103

حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه "، قلنا: يا رسول الله، كلنا نكره الموت. قال: " ليس ذاك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله، بما هو صائر إليه، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله، فأحب الله لقاءه، وإن الفاجر، أو الكافر، إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر، أو ما يلقاه من الشر، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه " (1)

جَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ للمُؤمِنِ في الدُّنيا دَلائلَ ومُبشِّراتٍ تَحفَظُ له إيمانَه، حتى إذا نازَعَه الموتُ أحبَّ ما عِندَ اللهِ مِن نَعيمٍ ورَغِبَ فيه، وأمَّا الكافرُ فإنَّه قد يرَى بَعضَ العَلاماتِ على عُقوبتِه، إذا نازَعه الموتُ كَرِهَ لِقاءَ اللهِ خَوفًا مِن غَضبِه وعَذابِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن أحبَّ لِقاءَ اللهِ أَحبَّ اللهُ لِقاءَه، ومَن أبغَضَ لِقاءَ اللهِ أبغَضَ اللهُ لِقاءَه"، ومَحبَّةُ اللِّقاءِ هي إيثارُ العَبدِ الآخِرَةَ على الدُّنيا، وعدَمُ حُبِّ طُولِ القِيامِ في الدُّنيا، والاستعدادُ لِلارتحالِ عنها، والمُرادُ باللِّقاءِ: المصيرُ إلى الدَّارِ الآخِرةِ وطلَبُ ما عند اللهِ، وليس المقصودُ به الموتَ؛ لأنَّ كُلًّا يَكْرَهُه فمَنْ ترَكَ الدُّنيا وأبغضَها أحبَّ لِقاءَ اللهِ، ومَن آثَرَها وركَنَ إليها كَرِهَ لِقاءَ اللهِ.
قال أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: "قُلنا: يا رَسولَ اللهِ، كُلُّنا يكرَهُ الموتَ"؛ لأنَّ الموتَ لا يُحِبُّه أحَدٌ بطَبيعةِ خِلْقةِ النَّاسِ وما جُبِلوا عليه، فبيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المقصودَ ليسَ ذلك، قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ليسَ كَراهيةَ الموتِ، ولكنَّ المُؤمِنَ إذا حُضِرَ جاء البشيرُ مِن اللهِ؛ فليس شَيءٌ أحَبَّ إليه مِن أنْ يكونَ قد لقِيَ اللهَ، فأحَبَّ اللهُ لِقاءَه"، أي: إنَّ المؤمنَ إذا جاءَه الموتُ فإنَّه يرَى البُشرى مِنَ اللهِ سُبحانه وتعالى لِمَا يَنتظِرُه عنده مِن حُسنِ الجزاءِ، فلا يكونُ شَيءٌ أحبَّ إليه مِن ذلك، "وإنَّ الفاجرَ- أو الكافرَ- إذا حُضِرَ جاءه ما هو صائرٌ إليه مِن الشَّرِّ- أو ما يَلْقى مِن الشَّرِّ"، أي: وأمَّا الكافرُ فإنَّه إذا جاءَه الموتُ، يَرى ما وَعَدَه ربُّه مِنَ العذابِ والنَّكالِ حقًّا أمامَ عينَيْه، فلا يكونُ شَيءٌ أكرَهَ إليه مِن ذلك، "يَكرَهُ لِقاءَ اللهِ، فكَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ".
وفي الحديثِ: أنَّ المُجازاةَ مِن جِنسِ العمَلِ؛ فإنَّه قابَلَ المحبَّةَ بالمحبَّةِ، والكَراهةَ بِالكراهةِ.
وفيه: حَثُّ الإنسانِ على عَمَلِ الصَّالحاتِ، وتَرْكِ ما نَهى عنه اللهُ عزَّ وجَلَّ حتى يُبَشَّرَ بحُسْنِ عَملِه عند موتِه؛ فيُحبَّ لِقاءَ اللهِ بما قَدَّمَه له من مُبشِّراتٍ..