حديث رويفع بن ثابت الأنصاري 1
مستند احمد
حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق - مولى تجيب، وتجيب بطن من كندة -، عن رويفع بن ثابت الأنصاري، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح حنينا، فقام فينا خطيبا فقال: «لا يحل لامرئ، يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، ولا أن يبتاع مغنما حتى يقسم، ولا أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه، ولا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه»
لقد نَظَّمَ الإسلامُ شُؤونَ الحَياةِ كُلِّها في السِّلْمِ والحَرْبِ
وهذا الحديثِ يوَضِّحُ أحَدَ الأحكامِ الَّتي تَتْبَعُ ما يَنتجُ مِن الحُرُوب بيْن المُسلِمينَ وغيرِهم، من تقْسِيمِ الغَنَائِمِ ومُعَامَلَةِ السَّبَايا
وفيه أنَّ الصَّحابِيَّ الجَلِيلَ ثابِتَ بنَ رُوَيفِعٍ رضِيَ اللهُ عنه وقَف خطِيبًا؛ لِيُبَلِّغَ ما سَمِعه مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ حُنَيْنٍ، فقالَ: «لا أقول لكم إلَّا ما سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ يومَ حُنَينٍ»، وحُنينٌ وادٍ بين مَكَّةَ والطائِفِ، وقعتْ فيه الغزوةُ المشهورةُ في الخامسِ مِن شوَّال سَنَةَ ثمانٍ مِن الهجرةِ، عامَ فتْحِ مَكَّةَ، وكانتْ مع هوزانِ
قال: «لا يَحِلُّ لامرِئٍ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أن يَسْقِيَ ماءَه زَرْعَ غيْرِه»، أي: يحْرُمُ على المُؤمِن أن يُدخِلَ ماءَه- أي: نُطْفَتَه- في رَحِم امْرَأةٍ زرَعَ فيها شخْصٌ آخَرَ نُطْفَةً أخرَى حتَّى حمَلَت منه، فكأنَّه شبَّه الولَد إذا علَق في الرَّحِم بالزَّرْعِ النَّابِتِ، قال: "يعني: إتيانَ الحَبالَى"، أي: إنَّ المُرَادَ بهذا هو النَّهْيُ عن جِماعِ امرأةٍ حامِلٍ من شَخصٍ آخَر إذا ملَكَها المسلِمُون في السَّبْيِ
ثم قال: «ولا يَحِلُّ لامرئٍ يُؤمِنُ بالله واليَوْمِ الآخِر أنْ يقَعَ على امْرَأةٍ منَ السَّبْيِ حتَّى يَسْتَبْرِئَها»، أي: لا يحلُّ للمُؤْمِنِ أن يُجامِعَ المرَأة التي مَلَكَها من السَّبْيِ قبل أنْ يَطلُبَ بَراءةَ الرَّحمِ مِن الحَملِ؛ وذلك بأنْ تُترَكَ الأَمَةُ بعدَ تَملُّكِها حتَّى تَحيضَ وتَطهُرَ قَبْلَ أن تُوطَأ، واستِبْرَاءُ الأَمَةِ يكونُ بحَيْضَةٍ أو بشَهْرٍ، كما في أحاديثَ أُخرى
ثم قال: «ولا يحِلُّ لامرئٍ يؤمِن بالله واليومِ الآخِر أنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حتى يُقْسَمَ»، أي: يحْرُم على المُؤمِن أن يَبيعَ مَغنمًا، أي: شيئًا مِن الغنيمةِ الَّتي غنِمَها المسلمون في الحرْب حتى يُقْسَمَ بين الغانِمينَ، ويُخْرَجَ منه الخُمُسُ، وأمَّا بعدَ القِسمةِ وأخْذِ نَصيبِه، فله أنْ يَبيعَ الشَّيءَ الذي يكونُ له كيفَ شاءَ
وقد تَكرَّر ذِكرُ الإيمانِ باللهِ وذِكْرُ الإيمانِ باليومِ الآخِرِ في كلِّ واحدةٍ من هذه المنهيَّاتِ؛ وذلِك لأنَّ الإيمانَ باللهِ تعالى أساسُ الإيمانِ، وكلُّ ما يُؤمَن به بعدَ الإيمان باللهِ تابعٌ للإيمانِ باللهِ تعالى، وذُكِرَ اليومُ الآخِرُ مع الإيمانِ باللهِ تَذكيرًا بالمعادِ وتَذكيرًا بالثَّوابِ والعِقابِ في اليَومِ الآخِرِ الذي هو يَومُ الجزاءِ، وهو هنا مِن بابِ الترهيبِ والتَّحذيرِ مِن تلك الأعمال؛ لئلَّا يُعذَّبَ ويُعاقَبَ عليها في اليومِ الآخِرِ