حديث زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم19
مسند احمد
حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها كيلا " (3)
كانتِ الجاهليَّةُ فيها أنواعٌ مِن البيوعِ الرِّبويَّةِ، فلمَّا جاء الإسلامُ هذَّبَ تلكَ البُيوعِ ونقَّحَها، وأقرَّ البَيعَ العادلَ والَّذي لا رِبَا فيهِ، ونهَى عن كلِّ بَيعٍ فيه شُبهةُ رِبًا وكلِّ ما فيه ظُلمٌ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم «رخَّصَ»، أي: أَجازَ وأباحَ، «في بَيعِ العَرايا» وهو نوعٌ مِن أنْواعِ البيوعِ، وصُورتُه: أنْ يَشتريَ الرُّطَبُ بعْدَ بُدوِّ صَلاحِهِ على النَّخلِ بتَمْرٍ على الأرضِ، فيُعطِيَ ثَمرةَ النَّخلةِ للمُحتاجِ ليَأكُلَ مِن ثَمَرِها وَقْتَما يَشاءُ، ويُقدِّرَ ما على النَّخْلِ ويَأخُذَ بدَلًا منه تَمْرًا، وسُمِّيَ ببَيعِ العَرايا؛ لأنَّ النَّخلةَ يُعطيها مالِكُها لرجلٍ مُحتاجٍ، أي: يَعْرُوها لهُ، ولكنِ اشتَرَط الشَّرعُ أنْ يكونَ ذلك «بخَرْصِها»، أي: بِنَفسِ مِقدارِ ثَمرِ النَّخلِ تمْرًا؛ وذلك لأنَّ بعضَ النَّاسِ كانوا يُدرِكون مَوْسِمَ الرُّطَبِ وهمْ لا يَملِكون نَخْلًا أو مالًا، ويُريدون أنْ يُطعِموا عِيالَهم منها، فأراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الإرفاقَ بهم، واشتَرَط أيضًا أنْ يكونَ ذلك في مِكيالٍ أو وزْنٍ أقلَّ مِن «خَمسةِ أوسُقٍ»، والوَسْقُ مِكيالٌ يَسعُ ستِّينَ صاعًا، ويُعادِلُ (130.5كجم) مائةً وثلاثينَ كِيلوجرامًا ونِصفًا؛ وعليهِ فإنَّ خَمسةَ أوْسُقٍ تُعادِلُ (653كجم) ثَلاثةً وخمسينَ وسِتَّ مِائة كيلوجرامٍ تَقريبًا.
والمعنى: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رخَّصَ لهم في هذا النَّوعِ مِن البَيعِ بهذا المِقدارِ فقطْ؛ لأنَّه قدْ يُتوهَّمُ فيه أنَّه رِبًا؛ حيثُ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نَهى عن بَيعِ الثِّمارِ بالثِّمارِ مِن نوعٍ واحدٍ، ويُسمَّى هذا البيعُ بَيعَ المُزابَنةِ، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم استَثنى لهم بيعَ العَرايا مِن المُزابَنةِ، وحدَّده بمِقدارِ خَمسةِ أوسُقٍ؛ حتَّى لا يقَعَ في شُبهةِ الرِّبا.
وقولُه: «أو في خَمسةِ» هذا الشَّكُّ وقَع مِن أحدِ رُواةِ الحديثِ، وهو داودُ بنُ الحُصينِ؛ فهو لا يَذكُرُ هلْ خَمسةُ أوْسقٍ، أو دُونَ خَمسةِ أوسُقٍ.
وفي الحديثِ: بَيانُ التَّرخيصِ في نوعٍ مِن أنواعِ البيوعِ تَخفيفًا وتَيسيرًا على الأُمَّةِ.
وفيه: بيانُ مِقدارِ المُعاملاتِ في بَيعِ العَرَايا تَحديدًا بخمسةِ أوسُقٍ.