حديث سلمة بن قيس الأشجعي 2
مستند احمد
حدثنا هاشم، قال: حدثنا أبو معاوية يعني شيبان، حدثنا منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا إنما هن أربع: أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا ". قال: فما أنا بأشح عليهن مني إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم
حَذَّرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ ارتِكابِ الكَبائِرِ والذُّنوبِ العَظيمةِ، وشَدَّدَ النَّكيرَ على فاعِلِها؛
لِمَا فيها مِن قُبحِ الفِعالِ، ولِمَا تَجُرُّهُ على العَبدِ مِنَ الآثامِ والوُقوعِ في الحَرَجِ الشَّرعيِّ، وقد ذَكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبائِرَ في رِواياتٍ مُتَعدِّدةٍ، ومنها هذه الرِّوايةُ التي تُبَيِّنُ بَعضَها، فيَروي سَلَمةُ بنُ قَيسٍ الأشجَعيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ في خُطبَتِه في حَجَّةِ الوَداعِ: "ألَا إنَّما هُنَّ أربَعٌ"، بمعنى أنَّ الكَبائِرَ أربَعٌ، ويَجِبُ اجتِنابُها، واقتِصارُه في هذه الرِّوايةِ على الأربَعِ؛ لِكَوْنِها مِن أفحَشِ الكَبائِرِ، مع كَثرةِ وُقوعِها، لا سِيَّما فيما كانَتْ عليه الجاهِليَّةُ: "أنْ لا تُشرِكوا باللهِ شَيئًا"، وهذا نَهيٌ عنِ الإشراكِ باللهِ شَيئًا في عِبادَتِه، ولا في أسمائِه وصِفاتِه ورُبوبيَّتِه؛ واعتِقادِ أنَّ أحَدًا غَيرَ اللهِ له أيُّ صِفةٍ مِن صِفاتِ الرُّبوبيَّةِ، كالخَلْقِ والرِّزْقِ والتَّدبيرِ، وغيرِ ذلك، وصَرفِ أيِّ عِبادةٍ -كالدُّعاءِ والاستِعاذةِ والنَّذْرِ والذَّبحِ وغيرِ ذلك- لِغَيرِ اللهِ سُبحانَه. "ولا تَقتُلوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ إلَّا بالحَقِّ"، وهذا نَهيٌ عن قَتلِ النَّفْسِ ظُلمًا بغَيرِ وَجهِ حَقٍّ مِنَ الحُقوقِ التي أوجَبَها اللهُ تَعالى؛ لِمَا فيها مِن مُنافاةِ المَقصِدِ الشَّرعيِّ مِنَ الحِفاظِ على النَّفْسِ المُؤمِنةِ مَعصومةِ الدَّمِ. "ولا تَزْنوا"، وهذا نَهيٌ عنِ ارتِكابِ الفاحِشةِ وهَتكِ الأعراضِ المُحصَنةِ؛ لِمَا فيه مِن مُنافاةِ مَقصِدِ الشَّرعِ مِنَ المُحافَظةِ على الأعراضِ والنَّسلِ. "ولا تَسرِقوا"، وهذا نَهيٌ عن أخْذِ مالِ الغَيرِ بغَيرِ وَجهِ حَقٍّ؛ لِمَا فيه مِن مُنافاةِ مَقصِدِ الشَّرعِ مِنَ المُحافَظةِ على الأموالِ وصَوْنِها. قالَ سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه: "فما أنا بأشَحَّ عليهِنَّ مِنِّي إذْ سَمِعتُهُنَّ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ"، والمُرادُ أنَّه أشَدُّ شُحًّا وتَمَسُّكًا بعَدَمِ ارتِكابِهِنَّ والوُقوعِ فيهِنَّ بَعدَ أنْ عَلِمَهُنَّ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وقد جاءَ في بَعضِ الرِّواياتِ أنَّ الكَبائِرَ سَبعٌ، وفي بَعضِها ثَلاثٌ، وفي هذه الرِّوايةِ أربَعٌ، وهذا ليس حصرًا لِلكَبائِرِ في عَدَدٍ مَذكورٍ، وهي تَشمَلُ كُلَّ الذُّنوبِ العَظيمةِ، وكُلَّ ذَنبٍ أُطلِقَ عليهِ في القُرآنِ أوِ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ أوِ الإجماعِ أنَّه كَبيرةٌ، أو أنَّه ذَنبٌ عَظيمٌ، أو أُخْبِرَ فيه بشِدَّةِ العِقابِ، أو كانَ فيه حَدٌّ، أو شُدِّدَ النَّكيرُ على فاعِلِه، أو وَرَدَ فيه لَعْنُ فاعِلِه. وقيلَ: الكَبائِرُ هي كُلُّ فِعلٍ قَبيحٍ شَدَّدَ الشَّرْعُ في النَّهيِ عنه، وأعْظَمَ أمْرَه