‌‌حديث عبادة بن الصامت، عن أبي بن كعب2

مسند احمد

‌‌حديث عبادة بن الصامت، عن أبي بن كعب2

حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت أن أبي بن كعب، قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آية، وأقرأها آخر غير قراءة أبي، فقلت: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: والله لقد أقرأنيها كذا وكذا، قال أبي: فما تخلج في نفسي من الإسلام ما تخلج يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله، ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: "بلى " قال: فإن هذا يدعي أنك أقرأته كذا وكذا، فضرب بيده في صدري، فذهب ذاك، فما وجدت منه شيئا بعد، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل وميكائيل، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأه على حرفين، قال: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كل شاف كاف ". (1)

مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه أنزَل القرآنَ الكريمَ على أحرُفٍ وقِراءاتٍ تُوافِقُ لَهجاتٍ عِدَّةً، وكلُّها عربيَّةٌ؛ تَخفيفًا وتيسيرًا وتَسهيلًا على المسلِمين.
وفي هذا الحديثِ يقولُ الصَّحابيُّ الجليلُ أُبيُّ بنُ كعبٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ما حاك في صَدْري"، أي: ما أثَّر في قلبي، وما تَخالَجَ فيه الشَّكُّ "منذ أسلَمتُ إلَّا أنِّي قرَأتُ آيةً وقرَأها آخَرُ غيرَ قِراءتي"، أي: قرَأها كلٌّ مِنهما بقِراءةٍ مُختلِفةٍ عن الآخَرِ، وهذا يَعْني أنَّه لم يقَعْ شَكٌّ في قلبِه بعد إسلامِه إلَّا في هذه الحالةِ، يقولُ: "فقلتُ: أقرَأَنيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقال الآخَرُ: أقرَأَنيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، أقرَأتَني آيةَ كذا وكذا؟ قال: نعَم، وقال الآخَرُ: ألم تُقْرِئْني آيةَ كذا وكذا؟"، قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "نعَم"، فأقَرَّهما النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على القِراءتَين، وأوضَح لهما أنَّهما صَحيحتانِ، وأنَّه أقرَأ كلَّ واحدٍ مِنهما بقِراءةٍ، ثمَّ قال لهما: "إنَّ جبريلَ وميكائيلَ عليهما السَّلامُ"، وجِبريلُ أمينُ الوحيِ، وميكائيلُ ملَكُ الأرزاقِ والمطَرِ، "أتَيَانِي، فقَعدَ جبريلُ عن يَميني وميكائيلُ عن يَساري، فقال جِبريلُ عليه السَّلامُ: اقْرَأِ القرآنَ على حرفٍ، قال ميكائيلُ: استَزِدْه استَزِدْه، حتَّى بلَغ سَبْعةَ أحرُفٍ؛ فكلُّ حَرفٍ شافٍ كافٍ"، والمرادُ بسَبعةِ أحرفٍ: أنَّها سَبعةُ أوجُهٍ، وسبْعَ لَهَجاتٍ، وقيل: سبْعُ قِراءاتٍ، وقِيل: سَبعةُ أحكامٍ؛ فأيُّ وجهٍ تَقْرَأُ به أمَّتُك، وأيُّ لهجةٍ تيَسَّرَت لها فهي مَقبولةٌ إنْ شاء الله؛ تيسيرًا وتَخفيفًا على أمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وليس المرادُ أنَّ كلَّ كَلمةٍ وكلَّ جملةٍ مِن القرآنِ تُقرَأُ على سَبعةِ أوجُهٍ، بل المرادُ أنَّ غايةَ ما انتَهى إليه عددُ القِراءاتِ في الكَلمةِ الواحدةِ إلى سَبعةٍ، والكَلماتُ التي تُقرَأُ على أكثرَ مِن سبعةِ أوجُهٍ؛ فغالِبُ ذلك إمَّا لا يُثبِتُ الزِّيادةَ، وإمَّا أنْ يكونَ مِن قَبيلِ الاختلافِ في كيفيَّةِ الأداءِ؛ كما في المدِّ والإمالةِ ونَحوِهما، وقيل: ليس المرادُ بالسَّبعةِ حَقيقةَ العددِ، وأنَّ السَّبعةَ حدٌّ للقراءاتِ التي أُنزلتْ، بل هي أكثرُ مِن ذلك، والمرادُ منها التَّسهيلُ والتَّيسيرُ.
وفي الحَديثِ: بيانُ تَخفيفِ اللهِ عزَّ وجلَّ وتَيسيرِه على أمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: بيانُ نُزولِ القُرآنِ على سَبعةِ أحرُفٍ .