حديث عبد الرحمن بن حسنة 1
مستند احمد
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب، قال: فأصبنا منها وذبحنا، قال: فبينا القدور تغلي بها، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن أمة من بني إسرائيل فقدت، وإني أخاف أن تكون هي فأكفئوها فأكفأناها»
عاقَبَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى جَماعةً مِن اليهودِ على سُوءِ فِعلِهم واستِحلالِهم ما حرَّمَه اللهُ عليهم، مع تَحايُلِهم بالحِيَلِ الشَّيطانيَّةِ على أوامرِ اللهِ سُبحانَه ونَواهِيه، فمَسَخَهم اللهُ قِرَدةً وخَنازيرَ؛ قال تعالَى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: 60]
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ طائفةً مِن بَني إسرائيلَ فُقِدتْ، والمرادُ أنَّها مُسِخَت، كما في رِوايةِ مُسلمٍ، ولا يُعلَمُ ما وَقَع لهم، ثمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يظُنُّ أنَّ اللهَ سُبحانَه مسَخَها لجِنسِ الفأرِ، وعَلامةُ ذلك أنَّه إذا وُضِعَ لها ألْبانُ الإبلِ لم تَشرَبْ؛ لأنَّها كانتْ مُحرَّمةً على بَني إسرائيلَ، وإذا وُضِعَ لها ألْبانُ الشَّاءِ شَرِبتْ، والشَّاءُ جمْعُ شاةٍ، وهي الغَنمُ
ثمَّ قال أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «فحدَّثتُ كعبًا» أي: كعْبَ الأحبارِ، وفي رواية مسلم: «فقال له كعب: أسمِعتَ هذا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! قلْتُ: نعمْ»، فكرَّرَ سُؤالَه مرَّاتٍ، كأنَّه تَعجَّبَ مِن هذا القولِ، أو استَنكَرَه، أو ظنَّه مِن قَولِ أبي هُرَيرةَ ومِن عِندِ نفْسِه، فقال أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه لكَعْبٍ: «أفأقرَأُ التَّوراةَ؟!» أي: هلْ أنا أقرَأُ التَّوراةَ حتَّى أنقُلَ منها؟! وعندَ مُسلمٍ قال: «أفأُنزِلَت علَيَّ التَّوراةُ؟!» أي: أنا لا أقْرَؤها، بلْ لا أقولُ إلَّا ما سَمِعتُه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
والظَّاهرُ مِن الحديثِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال ذلك اجتهادًا منه وظنًّا قبْل أنْ يُخبَرَ مِن اللهِ تعالَى أنَّه لم يَجعَلْ لمسْخٍ نَسْلًا ولا عَقِبًا، كما ثبَتَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذُكِرَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القِرَدَةُ والخنازيرُ، فقال: إنَّ اللهَ لم يَجعلْ لمَسخٍ نسْلًا ولا عَقِبًا، وقد كانتِ القِردةُ والخنازيرُ قبْل ذلك، كما في صَحيح مُسلِمٍ وغيرِه، وعلى هذا يُحمَلُ قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا أُراها إلَّا الفأرَ»، وكأنَّه كان يظُنُّ ذلك، ثمَّ أُعلِمَ بأنَّها ليستْ هي