حديث عمار بن ياسر 6
مستند احمد
حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عمار بن ياسر أبي اليقظان، قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليهم الرخصة في المسح بالصعدات» ، فدخل عليها أبو بكر فقال: إنك لمباركة، لقد نزل علينا فيك رخصة، فضربنا بأيدينا لوجوهنا، وضربنا بأيدينا ضربة إلى المناكب والآباط
جاء الإسلامُ بالتَّيسيرِ على النَّاسِ في أمرِ التطهُّرِ والوُضوءِ، فأمَر بالتيمُّمِ بالتُّرابِ الطَّاهرِ وما في حُكمِه عندَ انعدامِ الماءِ، أو العجزِ عن استِخدامِه
وفي هذا الحديثِ تَروي عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّهم خرَجوا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعضِ أسفارِه، حتَّى إذا كانوا بالبَيْداءِ، أو بذاتِ الجَيشِ، وهما مَوضِعانِ بعْدَ ذي الحُلَيْفةِ بيْنَ مكَّةَ والمدينةِ، وهُم بهذا المكان انقَطَعَ عِقدٌ لها وكانَ مِن جَزْعِ ظَفارِ كما بيَّنَتِ الرِّواياتُ، وهو خَرزٌ يَمانِيٌّ يُجْلَبُ مِن ظَفَارِ على ساحِلِ البَحرِ، فنَزَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هناك لِلبحثِ عنه، ونَزَلَ النَّاسُ معه، وكانوا لا يَحمِلون معهم ماءً، ولا يوجَدُ أيضًا في ذلك المكانِ ماءٌ، فأتى النَّاسُ يَشْكُون إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه ما صَنَعَت ابنتُه عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها بهم؛ حيثُ كانت السَّببَ في إقامتِهم بذلك المَكانِ على غَيرِ ماءٍ، وفي روايةِ الصَّحيحَينِ: فأدرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ وليس معهم ماءٌ، فصَلَّوْا، فشَكَوْا ذلك إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ».فدخَل عليها أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه ليُعاتِبَها في ذلك، وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نائمًا وواضعًا رأسَه على فَخذِها مُتَوسِّدًا إيَّاها، وفي ذلك إشارةٌ إلى ما كان عليه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن طُمأنينةٍ مع عدَمِ وُجودِ الماءِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ نَومُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ أن يَعلَمَ بعدَمِ الماءِ، فقال أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه معاتِبًا إيَّاها: حَبَسْتِ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسَ بتأخيرِهم عن السَّفرِ! وقال ما شاءَ اللهُ مِن ألفاظِ التَّأنيبِ، وجَعَلَ رَضيَ اللهُ عنه يَطعُنُ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها برُؤوسِ أصابِعِه في خاصرتِها؛ حتَّى لا يَشعُرَ بذلك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والخاصِرةُ هي وَسطُ الإنسانِ مِمَّا يَلي الظَّهرَ، وهمَّت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أن تَقومَ مِن مكانِها وتَبتعِدَ عن مَوضِعه، ولم يَمنَعها مِن ذلِك إلَّا وُجودُ رأسِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على فَخِذِها وهو نائمٌ، فلمَّا دخَل عليه الصُّبحُ استيقَظَ وهو في حاجةٍ إلى الوضوءِ، ولم يَجِدْ في هذا الوقتِ ماءً؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى آيةَ التَّيمُّمِ الَّتي في سورةِ المائدةِ، وهي قولُ اللهِ تعالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فتَيمَّموا بلفظِ الماضي، أي: تيمَّمَ الناسُ لأجْلِ الآيةِ، أو هو فِعلُ أمرٍ على ما هو لفْظُ القرآنِ، ذكَرَه بيانًا أو بدَلًا عن آيةِ التيمُّمِ، أي: أنزَلَ الله: {فتيَمَّموا}، وكان هذا تخفيفًا وتيسيرًا عليهم، ورُخصةً في التيمُّمِ إذا فقَدوا الماءَ، وبيَّنَتِ الآيةُ كَيفيَّةَ التيمُّمِ، وطبَّقها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سُنَّتِه، وهي ضربةٌ واحدةٌ على التُّرابِ الطاهرِ، ثمَّ مسْحُ الوجْهِ والكَفَّيْنِ، وهنا قال أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ رَضيَ اللهُ عنه: ما هي بأوَّلِ بَرَكتِكم يا آلَ أبي بكرٍ؛ فإنَّ بَرَكاتِكم كَثيرةٌ، وهذه إحْداها، ولعلَّه يُشيرُ بذلك إلى حادثةِ الإفكِ.ثُمَّ أخبَرَت عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّهم بعْدَ ذلك أقاموا الجَمَلَ الَّذي كانت راكِبةً عليه، فوجَدوا العِقدَ الضَّائعَ تَحتَه، وكأنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى أخَّرهم وأقامَهم في هذا المكانِ لِيُنزِلَ عليهمُ التَّخفيفَ والتَّيسيرَ
وفي الحديثِ: بَيانُ مَشروعيَّةِ التَّيمُّمِ، وسَببِ مَشروعيَّتِه
وفيه: تَأديبُ الأبِ لابنتِه ولو كانت مُزَوَّجةً كَبيرةً
وفيه: شَكوى المَرأةِ إلى أبيها، وإن كان لها زَوجٌ
وفيه: دُخولُ الرَّجُلِ على ابنتِه، وإنْ كان زوجُها عِندَها إذا عَلِمَ رِضاهُ بذلك
وفيه: اتِّخاذُ النِّساءِ الحُليَّ، واستِعمالُ القِلادةِ تَجمُّلًا لأزواجِهنَّ
وفيه: فَضيلةُ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وتكَرُّرُ البَرَكةِ منها