مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه470
مسند احمد
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجيء النبي يوم القيامة، ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم. فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. فيدعى وأمته (3) ، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا، فأخبرنا: أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله ": {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143] قال: " يقول: عدلا "، {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} [البقرة: 143] (1)
فضَّلَ اللَّهُ تعالى أُمَّةَ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَعَلَها خَيرَ الأُمَمِ؛ وذلك لفَضلِ نَبيِّها صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ومِن فَضلِ هذه الأُمَّةِ أنَّ اللَّهَ جَعَلَها شاهدةً على الأُمَمِ السَّابقةِ مَعَ أنَّها آخِرُ الأُمَمِ، ففي الحَديثِ: أنَّه يَجيءُ النَّبيُّ يَومَ القيامةِ ومَعَه الرَّجُلُ، والنَّبيُّ ومَعَه الرَّجُلانِ، والنَّبيُّ ومَعَه الثَّلاثةُ، وأكثَرُ مِن ذلك، أي: يَأتي النَّبيُّ يَومَ القيامةِ ولَم يُؤمِنْ مَعَه مِن أمَّتِه إلَّا الرَّجُلُ والرَّجُلانِ أوِ الثَّلاثةُ، والمَقصودُ بذلك قِلَّةُ مَن آمَنَ به مَعَ دَعوتِه لقَومِه وعَدَمِ تَقصيرِه في الدَّعوةِ. فيُقالُ لهذا النَّبيِّ: هَل بَلَّغتَ قَومَك؟ أي: هَل دَعَوتَهم إلى اللهِ تعالى؟ فيَقولُ: نَعَم، أي: قد دَعَوتُهم وحَرَصتُ على إيمانِهم لَكِنَّهم لَم يَستَجيبوا. فيُدعى قَومُ هذا النَّبيِّ، ويُقالُ لَهم: هَل بَلَّغَكُم نَبيُّكُم هذا؟ فيَقولونَ: لا، أي: يُنكِرونَ أن يَكونَ دَعاهم وأنذَرَهم، فيُقالُ للنَّبيِّ: مَن يَشهَدُ لَك؟ أي: مَن يَشهَدُ لَك على صِدقِ ما قُلتَ مِن أنَّك بلَّغتَهم؟ فيَقولُ: مُحَمَّدٌ وأُمَّتُه، أي: همُ الذينَ سَيَشهَدونَ لي أنِّي قد بَلَّغتُ قَومي. فيُدعى مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأُمَّتُه فيُقالُ لَهم: هَل بَلَّغَ هذا قَومَه؟ أي: هَل هذا النَّبيُّ بَلَّغَ قَومَه؟ فتَقولُ هذه الأُمَّةُ: نَعَم، أي: هو صادِقٌ فيما قال؛ فقد بَلَّغَهم ودَعاهم ولَكِنَّهم كَذَّبوا. فيُقالُ لَهم: وما عِلمُكُم بذلك؟! أي: وكَيف عَرَفتُم أنَّه بَلَّغَهم وأنتُم آخِرُ الأُمَمِ؟! فيَقولونَ: جاءَنا نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَنا عنِ اللهِ في القُرآنِ أنَّ الرُّسُلَ قد بَلَّغوا ما أُرسِلوا به فصَدَّقْناه على ذلك، وهذا هو مَعنى قَولِه تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، أي: جَعَلْناكُم أُمَّةً عُدولًا خيارًا حَتَّى تَكونوا شُهَداءَ على النَّاسِ. والمَقصودُ بهذه الشَّهادةِ إظهارُ فَضْلِهم بَينَ الأُمَمِ، وإلَّا فكَفى باللهِ شَهيدًا.
وفي الحَديثِ قِلَّةُ مَن آمَن مِنَ الأُمَمِ السَّابقةِ.
وفيه فَضلُ هذه الأُمَّةِ على بَقيَّةِ الأُمَمِ.
وفيه إقامةُ اللهِ تعالى الحُجَّةَ على الأُمَمِ السَّابقةِ يَومَ القيامةِ.
وفيه تَكذيبُ الأُمَمِ السَّابقةِ لأنبيائِهم.
وفيه شَهادةُ هذه الأُمَّةِ للأنبياءِ على تَبليغِهم.
وفيه تَفسيرُ القُرآنِ بالسُّنَّةِ .