حديث عمرو بن عبسة 8
مستند احمد
حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني شريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن عمرو بن عبسة السلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض يوما خيلا وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أفرس بالخيل منك» ، فقال عيينة: وأنا أفرس بالرجال منك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وكيف ذاك؟» قال: خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من أهل نجد، فقال [ص:191] رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبت بل خير الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة، ومأكول حمير خير من آكلها، وحضرموت خير من بني الحارث، وقبيلة خير من قبيلة، وقبيلة شر من قبيلة، والله ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما، لعن الله الملوك الأربعة: جمداء، ومخوساء، ومشرخاء، وأبضعة، وأختهم العمردة " ثم قال: «أمرني ربي عز وجل أن ألعن قريشا مرتين، فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم، فصليت عليهم مرتين» ثم قال: «عصية عصت الله ورسوله، غير قيس وجعدة وعصية» ثم قال: «لأسلم وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله عز وجل يوم القيامة» ثم قال: «شر قبيلتين في العرب نجران، وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مذحج [ص:196] ومأكول» ، قال: قال أبو المغيرة، قال صفوان: «حمير حمير خير من آكلها» قال: من مضى خير ممن بقي
كرَّم اللهُ تعالى نَبيَّه مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خَلقِه وخُلُقِه بجَميلِ الصِّفاتِ وأكرَمِ الخِصالِ مِنَ الشَّجاعةِ والقُوَّةِ، والمَعرِفةِ بأحوالِ النَّاسِ وبالقَبائِلِ، ومَعرِفةِ أهلِ الخَيرِ مِنهم وأهلِ الفَضلِ مِن غَيرِهم، وكَذلك المَعرِفةُ بأحوالِ الخَيلِ ومَعرِفةُ جَيِّدِها مِن ضَعيفِها، ومَا يَصلُحُ للغَزوِ منها ومَا لا يَصلُحُ للغَزوِ، وفي يَومٍ مِنَ الأيَّامِ كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعرِضُ خَيلًا
أي: يَستَعرِضُ الخَيلَ المَوجودةَ مَعَه، وعِندَه عُيَينةُ بنُ حِصنِ بنِ بَدرٍ الفزاريُّ، وهو مِمَّن أسلَمَ قَبلَ الفتحِ، وشَهدَ فتحَ مَكَّةَ وكان فيه جَفاءُ سُكَّانِ البَوادي، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنا أعرَفُ بالخَيلِ مِنك، أي: أنا عِندي مَعرِفةٌ بأنواعِ الخَيلِ وجَيِّدِها مِنك. فقال عُيَينةُ: وأنا أعرَفُ بالرِّجالِ مِنك! أي: أنا أعَرَفُ بالرِّجالِ مَن يَصلُحُ مِنهم ومَن لا يَصلُحُ. فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وكَيف ذاكَ؟! أي: بَيِّنْ لَنا كَيفيَّةَ مَعرِفتِك بالرِّجالِ. فقال عُيَينةُ: خَيرُ الرِّجالِ رِجالٌ يَحمِلونَ سُيوفَهم على عَواتِقِهم -جَمعُ عاتِقٍ، وهو ما بَينَ المَنكِبِ والعُنُقِ- جاعِلينَ رِماحَهم -والرُّمحُ مِن أدَواتِ الحَربِ، عِبارةٌ عَن عَصًا خَشَبيَّةٍ في طَرَفِها قِطعةٌ مَعدِنيَّةٌ حادَّة- على مَناسِجِ خُيولِهم. والمَناسِجُ جَمعُ مَنسِجٍ، والمَنسِجُ مِنَ الدَّابَّةِ هو ما ارتَفعَ مِن فُروعِ الكَتِفينِ إلى أصلِ العُنُقِ. لابِسو البُرودِ. جَمعُ بُردةٍ، وهيَ الشَّملةُ المُخَطَّطةُ. وقيلَ: كِساءٌ أسودُ مُرَبَّعٌ فيه صغرٌ تَلبَسُه الأعرابُ. مِن أهلِ نَجدٍ. والمَعنى: أنَّ خَيرَ الرِّجالِ في نَظَرِ عُيَينةَ همُ الذينَ قد أخَذوا سُيوفَهم على عَواتِقِهم ومَعَهمُ الرِّماحُ وقد رَكِبوا على ظُهورِ خُيولِهم وهم لابسونَ للبُرودِ، ويَقصِدُ بهم أهلَ نَجدٍ، وكان عُيَينةُ مِن أهلِ نَجدٍ. فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَذَبتَ! أي: ليس الأمرُ كما قُلتَ بأنَّ أهلَ نَجدٍ هم خَيرُ الرِّجالِ، بَل خَيرُ الرِّجالِ رِجالُ أهلِ اليَمَنِ، والإيمانُ يَمانٍ، إلى لَخمٍ وجُذامٍ وعامِلةَ. وكُلُّ هذه قَبائِلُ مِن قَبائِلِ اليَمَنِ. ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ومَأكولُ حِمْيَرٍ، أي: أمواتُهم فإنَّهم أكلَتُهمُ الأرضُ، وحِمْيَرٌ مِن قَبائِلِ اليَمَنِ، خَيرٌ مِن آكِلِها، أي: أحيائِها. وحَضرَمَوتُ، أي: أهلُها، خَيرٌ مِن بَني الحارِثِ، وقَبيلةٌ خَيرٌ مِن قَبيلةٍ، وقَبيلةٌ شَرٌّ مِن قَبيلةٍ، أي: كما تَتَفاوتُ القَبائِلُ في الخَيريَّةِ كذلك تَتَفاوتُ بَعضُ القَبائِلِ في صِفاتِ الشَّرِّ. واللهِ ما أُبالي، أي: لا أهتَمُّ، أن يَهلِكَ الحارِثانِ كِلاهما. وظاهرُه أنَّ المُرادَ بهما حَضرَمَوتَ وبَنو الحارِثِ، فكَأنَّه أطلَقَ عليهما الحارِثانِ تغليبًا، ولَعَلَّ المُرادَ مُلوكُ كِندةَ وحَضرَمَوتَ، واللَّهُ أعلَمُ. لَعَنَ اللهُ المُلوكَ الأربَعةَ: جمداءَ ومخوساءَ ومَشرحاءَ وأبضعةَ وأُختَهمُ العمردةَ. وهؤلاء المُلوكُ الأربَعةُ كانوا وفدوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ الأشعَثِ بنِ قَيسٍ، فأسلَموا ورَجَعوا إلى بلادِهم، ثُمَّ ارتَدُّوا، فقُتِلوا يَومَ النُّجَيْرِ، وهو اسمُ حِصنٍ باليَمَنِ قُربَ حَضرَمَوتَ، وإنَّما سُمُّوا مُلوكًا؛ لأنَّه كان لكُلِّ واحِدٍ مِنهم وادٍ يَملِكُه بما فيه. ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَرَني رَبِّي عَزَّ وجَلَّ أن ألعَنَ قُرَيشًا، أي: بَعضَهمُ الذينَ ماتوا على الكُفرِ، فلَعَنتُهم. وأمَرَني أن أُصَلِّيَ عليهم مَرَّتَينِ، أي: أدعوَ لَهم وهمُ الذينَ آمَنوا به، فصَلَّيتُ عليهم مَرَّتَينِ، أي: دَعَوتُ لَهم. ثُمَّ قال: عُصَيَّةُ. وهو اسمُ قَبيلةٍ مِن قَبائِلِ العَرَبِ، عَصَتِ اللَّهَ ورَسولَه. ثُمَّ استَثنى مِنهم ثَلاثةً، فقال: غَيرَ قَيسٍ وجَعدةَ وعُصَيَّةُ. ثُمَّ قال: لأسلَمُ وغِفارٌ وأخلاطُهم، أي: مَن كان مِنهم مَن جُهَينةَ: خَيرٌ مَن بني أسَدٍ وتَميمٍ وغَطفانَ وهَوازِنَ عِندَ اللهِ يَومَ القيامةِ. وكُلُّ هذه مِن قَبائِلِ العَرَبِ. فبَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الخَيريَّةَ والتَّفضيلَ عِندَ اللهِ تعالى ليس بالمَكانةِ والحَسَبِ، وإنَّما بالسَّبقِ في الإسلامِ وطاعةِ اللهِ ورَسولِه، وقد أسلَمَت غِفارٌ وأسلَمُ، وأهلُ اليَمَنِ قَبلَ هذه القَبائِلِ وقَبلَ نَجدٍ. ثُمَّ بَيَّن شَرَّ القَبائِلِ فقال: شَرُّ قَبيلةٍ في العَرَبِ نَجرانُ وتَغلِبُ. ثُمَّ ذَكَرَ قَبائِلَ أهلِ الجَنَّةِ فقال: وأكثَرُ القَبائِلِ في الجَنَّةِ مَذحِجٌ، ومَأكولُ حِمْيَرٍ خَيرٌ مِن آكِلِها. ثُمَّ قال: ما مَضى خَيرٌ مِمَّن بَقيَ، أي: مَن ماتَ خَيرٌ مِمَّن بَقيَ وسيَأتي
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ استِعراضِ الإمامِ للخَيلِ
وفيه مَعرِفةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالخَيلِ
وفيه سُؤالُ مَنِ ادَّعى أنَّه عِندَه مَعرِفةٌ بشَيءٍ أن يُبَيِّنَ كَيفيَّةَ تلك المَعرِفةِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ صِحَّةُ دَعواه
وفيه مَعرِفةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخَيرِ الرِّجالِ
وفيه ثَناءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أهلِ اليَمَنِ
وفيه أنَّ القَبائِلَ تَتَفاوتُ فيما بَينَها في الخَيرِ والشَّرِّ؛ فقَبيلةٌ خَيرٌ مِن قَبيلةٍ، وقَبيلةٌ شَرٌّ مِن قَبيلةٍ
وفيه لَعنُ اللهِ للمُلوكِ الأربَعةِ وأُختِهم
وفيه امتِثالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمرِ رَبِّه
وفيه لَعنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقُرَيشٍ
وفيه دُعاءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقُرَيشٍ
وفيه ذَمُّ قَبيلةِ عُصَيَّةَ لعِصيانِها للَّهِ تعالى
وفيه ثَناءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَبيلةِ أسلَمَ وغِفارٍ
وفيه بَيانُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لشَرِّ قَبائِلِ العَرَبِ، وهم نَجرانُ وتَغلِبُ
وفيه أنَّ قَبيلةَ مَذحِجٍ أكثَرُ قَبائِلِ أهلِ الجَنَّةِ