حديث محمد بن مسلمة الأنصاري 1
مستند احمد
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، أن أبا بكر، قال: هل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: «شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي لها بالسدس» ، فقال: هل سمع ذلك معك أحد؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال: «شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي لها بالسدس» فأعطاها أبو بكر السدس "
لقدْ حدَّدَ الشَّرعُ أنصِبةَ المَواريثِ، وحَدَّدَ نصيبَ كلِّ وارثٍ، وشُروطَ استِحقاقِهم لِلميراثِ، ولكِنْ وُجِدَتْ بعضُ الحالاتِ التي لم يَنُصَّ عليها الشَّرعُ صَراحةً، فاجتَهَدَ الصَّحابةُ في تَطبيقِ قَواعِدِ المَواريثِ؛ لإعطائِها حَقَّها
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ قَبيصةُ بنُ ذُؤَيْبٍ: "جاءَتِ الجَدَّةُ" وهي: أُمُّ الأُمِّ، أو أُمُّ الأبِ "إلى أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ تَسألُه ميراثَها، فقال: ما لكِ في كِتابِ اللهِ تَعالى شَيءٌ"! يعني: لم يُذكَرْ لكِ في القُرآنِ فَرضٌ مَعلومٌ صَريحٌ، "وما عَلِمتُ لكِ في سُنَّةِ نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَيئًا"، ولا أجِدُ فيما أعلَمُ مِنَ السُّنَّةِ شَيئًا في حَقِّ الجَدَّةِ في الميراثِ؛ "فارْجِعي حتى أسألَ الناسَ"، وأستَشيرَ أصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّ مَن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحفَظْ، "فسألَ الناسَ، فقالَ المُغيرةُ بنُ شُعبةَ: حَضَرتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعطاها السُّدُسَ، فقال أبو بَكرٍ: هل معك غَيرُكَ؟"؛ فهذا مِن مقاماتِ التَّثَبُّتِ عِندَ الصَّحابةِ في حَقِّ بَعضِهمُ البَعضَ، وليس طَعنًا أو رَدًّا لِحَديثِه، وأيضًا تَعليمًا لِمَن بَعدَهم أنَّ التَّثَبُّتَ والأحكامَ تأتي مع خَبَرِ الاثنَيْنِ العُدولِ، "فقامَ محمدُ بنُ مَسلَمةَ، فقالَ مِثلَ ما قال المُغيرةُ بنُ شُعبةَ، فأنفَذَهُ لها أبو بَكرٍ"، أي: أنفَذَ الحُكمَ بالسُّدُسِ لِلجَدَّةِ، وأعطاه إيَّاها، "ثم جاءَتِ الجَدَّةُ الأُخرى"، وهي الجَدَّةُ الأُخرى لهذا المَيِّتِ مِن جِهةِ الأبِ، إذا كانتِ الأُولى مِنَ الأُمِّ، أو مِن جِهةِ الأُمِّ إذا كانتِ الأُولى مِنَ الأبِ، "إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه تَسألُه مِيراثَها، فقالَ: ما لكِ في كِتابِ اللهِ تَعالى شَيءٌ، وما كان القَضاءُ الذي قُضيَ به إلَّا لِغَيرِكِ"؛ فكانَ الحُكمُ الذي حَكَمَ به أبو بَكرٍ خاصًّا بالجَدَّةِ الأُخرى، "وما أنا بزائِدٍ في الفَرائِضِ"، فلن أزيدَ فَرضًا من عند نفْسي في المَواريثِ لأحدٍ دونَ المنصوصِ عليه، "ولكنْ هو ذلك السُّدُسُ، فإنِ اجتَمَعتُما فيه فهو بَينَكما، وأيَّتُكما خَلَتْ به"، أي: انفَرَدَتْ بالسُّدُسِ وَحدَها "فهو لها" كامِلًا، وكان ذلك بمَحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ، ولم يُنكِرْ عليه أحَدٌ؛ فكانَ إجماعًا، فأبو بَكرٍ إنما حَكَمَ بالسُّدُسِ لها أوَّلًا؛ لأنَّه لم يَقِفْ على الشَّرِكةِ، أمَّا الفاروقُ عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه فإنَّه لَمَّا وَقَفَ على الاجتِماعِ حَكَمَ بالاشتِراكِ بيْنَ الجَدَّتَينِ في السُّدُسِ
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الاجتِهادِ فيما لم يَرِدْ فيه نَصٌّ صَريحٌ على وَفْقِ قَواعِدِ الشَّرعِ
وفيه: تَوَقُّفُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم عِندَ حُدودِ اللهِ وحُدودِ ما وَرَدَ في القُرآنِ والسُّنَّةِ