حديث معاوية بن أبي سفيان 21
مستند احمد
حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني أبو عبد ربه، قال: سمعت معاوية، يقول على هذا المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه، خبث أسفله»
الدُّنيا دارُ ابتِلاءاتٍ ومِحَنٍ، والحَصيفُ مَن تَحرَّزَ لِنفْسِه ولدِينِه؛ حتَّى ِيَنجُوَ ولا يقَعَ في الفِتَنِ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُبلَ النَّجاةِ مِن هذه الفِتنِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ ما بقِيَ مِن الدُّنيا بَلاءٌ وفِتنةٌ"، أي: إنَّ الدُّنيا مَملوءةٌ بالفِتنِ والبَلاءِ، حتَّى كأنَّه قد انتَهى منها كلُّ خيرٍ، ولم يَبْقَ إلَّا الشَّرُّ والفِتَنُ والبلاءُ، كَما هُو شأْنُ آخِرِ الشَّيءِ ونِهايتِه عادةً، يَذهَبُ صَفوُه، ويَبْقى كَدَرُه، "وإنَّما مثَلُ عمَلِ أحدِكم كمثَلِ الوِعَاءِ"، أي: كمَثَلِ الإناءِ الَّذي يَجمَعُ الأشياءَ ويَحْويها، "إذا طاب أعلاهُ طاب أسفَلُه، وإذا خبُثَ أعلاهُ خبُثَ أسفَلُه"، وفي روايةِ ابنِ ماجه: "إذا طاب أسفَلُه طاب أعلاهُ، وإذا فسَدَ أسفَلُه فسَدَ أعلاهُ"، أي: إذا حَسُنَ البَدءُ فيه بالنِّيَّةِ الحَسنةِ الطَّيِّبةِ الصَّادقةِ، حَسُنَ آخِرُه بتوفيقِ اللهِ؛ لأنَّ النِّيَّةَ هي رأسُ العمَلِ وأعلاهُ. وقيل: القَصدُ مِن هذا التَّشيبهِ: أنَّ الظَّاهِرَ عُنوانُ الباطنِ، ومَن طابَتْ سَريرتُه طابَت عَلانِيَتُه، فإذا اقتَرَن العمَلُ بالإخلاصِ القلْبيِّ- الَّذي هو شَرْطُ القَبولِ- أضاء له ما بداخِلِه، وإذا اقتَرَن برِياءٍ أو نحوِه، اكتَسَب ظُلمةً. وقد قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كما في الصَّحيحَينِ-: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرِئٍ ما نَوى"، فإذا دخَلَ الرِّياءُ في العمَلِ فسَدَ العمَلُ، وإذا صاحَبَ الرِّياءُ أصلَ العمَلِ حبِطَ العمَلُ بالكُلِّيَّةِ، وإذا طرَأَ عليه الرِّياءُ أثناءَ العملِ ودافَعَه فإنَّه لا يَضرُّه، وإنْ لم يُدافِعْه حبِطَ العمَلُ الَّذي داخلَه الرِّياءُ، وفي روايةِ ابنِ حِبَّانَ: "إنَّما الأعمالُ بِخَواتيمِهَا، كالوِعَاءِ إذا طابَ أعلاهُ طابَ أسفَلُه، وإذا فسَدَ أعلاهُ فسَدَ أسفَلُه"، وهو يُشيرُ إلى حُسنِ الخاتِمةِ وآخِرِ العمَلِ في آخِرِ العُمرِ
وفي الحديثِ: علامةٌ مِن علاماتِ النُّبوَّةِ
وفيه: بَيانُ أهمِّيَّةِ النِّيَّةِ في العمَلِ، وبَيانُ أنَّ صَلاحَ العملِ وفَسادَه مُرتبطٌ بِها
وفيه: التَّحذيرُ مِن الفِتنِ الَّتي تقَعُ بعدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ