حديث يحيى بن حصين عن أمه
مسند احمد
حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن يحيى بن الحصين، عن أمه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول: «يا أيها الناس، اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل»
أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطاعةِ وُلاةِ الأُمورِ؛ لِمَا في الخُروجِ عليهم مِنَ المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ، ومُفارَقةِ الجَماعةِ
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أُمُّ الحُصَيْنِ الأحمَسِيَّةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها رأتْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ عليه بُردٌ قدِ التَحَفَ به ولَفَّه مِن تَحتِ إبْطِه، والبُرْدُ نَوعٌ مِنَ الثِّيابِ، مِثلُ العَباءةِ المُخَطَّطةِ، وقيلَ: كِساءٌ أسوَدُ مُرَبَّعٌ، فيه صُوَرٌ، تَلبَسُه الأعرابُ، وقيلَ: كِساءٌ يُلتَحَفُ به، وقيلَ: ثَوبٌ مِنَ الصُّوفِ، وله هُدْبٌ، وكانت عَضَلةُ عَضُدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَهتَزُّ وتَضطَرِبُ لِكَثرةِ تَحريكِ الذِّراعِ وسُرعَتِه، والعَضُدُ هو ما بَينَ الكَتِفِ إلى المِرفَقِ، وكان مِن جُملةِ ما قالَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في خُطبَتِه: "يا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ وأطيعوا"، وهذا أمْرٌ بتَقوى اللهِ، والخَوفِ منه، مع مُراعاةِ أوامِرِه ونَواهِيه، "وإنْ أُمِّرَ عليكم" فتَوَلَّى وأصبَحَ أميرًا عليكم، "عَبدٌ حَبَشيٌّ مُجَدَّعٌ" يَعني: وإنْ وُلِّيَ عليكم رَجُلٌ مِنَ الحَبَشةِ مَقطوعُ الأنفِ والأُذُنِ، "فاسمَعوا وأطيعوا ما أقامَ فيكم كِتابَ اللهِ"؛ فإنَّ السَّمعَ والطَّاعةَ واجِبةٌ لِهذا الأميرِ، مع هذه الصِّفاتِ التي فيه، ما دامَ مُتَمسِّكًا بالإسلامِ والدُّعاءِ إلى كِتابِ اللهِ سُبحانَه وتَعالى، ومُقيمًا حُكمَ القُرآنِ، المُشتَمِلَ على حُكمِ الرَّسولِ، على أيِّ حَالٍ في نَفْسِه ودِينِه وأخلاقِه، ولم يأمُرْ بمَعصيةِ اللهِ. فإن قيلَ: شَرطُ الإمامِ الحُرِّيَّةُ والقُرَشيَّةُ وسَلامةُ الأعضاءِ؛ فالجوابُ: أنَّ هذا فيما لوِ انعَقَدَ بأهلِ الحَلِّ والعَقدِ، أمَّا مَنِ استَولى بالغَلَبةِ فتَحرُمُ مُخالَفَتُه، وتَنفُذُ أحكامُه، ولو كان عَبدًا أو فاسِقًا مُسلِمًا، وأيضًا ليس في الحَديثِ أنَّه يَكونُ إمامًا، بل يَفرِضُ إليه الإمامُ أمْرًا مِنَ الأُمورِ
وفي الحَديثِ: حَثٌّ على المُدارةِ والمُوافَقةِ مع الوُلاةِ، وعلى التَّحرُّزِ عمَّا يُثيرُ الفِتنةَ ويُؤَدِّي إلى اختِلافِ الكَلِمةِ