مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه206
مسند احمد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، قال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني "
أخبَرَنا اللهُ تعالى في كِتابِه بعَداوةِ الشَّيطانِ لنا في أكثَرَ من آيةٍ، وحَذَّرَنا منِ اتِّباعِ خُطواتِه وأنَّه عَدوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، ولَمَّا كانت هذه العَداوةُ مُستَحكِمةً من قديمِ الزَّمانِ ابتِداءً برَفضِ الشَّيطانِ السُّجودَ لأبينا آدَمَ وإغوائِه له ولزَوجِه حتَّى أخرَجَهما منَ الجَنَّةِ، واستَمَرَّت عَداوةُ الشَّيطانِ بَعدَ ذلك في بَني آدَمَ، ولكِنَّ اللهَ تعالى مِن كَرَمِه أنَّه مَن وقَعَ في ذَنبٍ ثمَّ استَغفَر، فإنَّ اللهَ تعالى يَغفِرُ له، وجاءَ في هذا الحَديثِ أنَّ إبليسَ وهو اسمُ الشَّيطانِ، قال لرَبِّه عَزَّ وجَلَّ: وعِزَّتِك -أي: قُوَّتِك- فالعِزَّةُ هي القوَّةُ والغَلَبةُ والامتِناعُ الذي يَمتَنِعُ أن يَنالَه أحَدٌ منَ المَخلوقاتِ، وجَلالِك -أي: وعَظَمَتِك- فاللَّهُ مَوصوفٌ بصِفةِ العَظَمةِ والجَلالِ الذي هو أعظَمُ من كُلِّ شَيءٍ، وأجَلُّ وأعلى، وله التَّعظيمُ والإجلالُ في قُلوبِ أوليائِه وأصفيائِه. لا أبرَحُ، أي: لا أزالُ وأظَلُّ أبَدًا أغوي بَني آدَمَ، أي: أجتَهِدُ في إغوائِهم بأيِّ طَريقٍ مُمكِنٍ، فأضِلُّهم وآمُرُهم بالكُفرِ والعِصيانِ ما دامَتِ الأرواحُ فيهم، أي: مُدَّةَ دَوامِ الأرواحِ في الأجسادِ. فقال له رَبُّه عَزَّ وجَلَّ: فبعِزَّتي وجَلالي لا أبرَحُ أغفِرُ لهم ما استَغفروني، أي: طَلبوا منِّي الغُفرانَ والسَّترَ لذُنوبِهم.
وفي الحَديثِ شِدَّةُ عَداوةِ الشَّيطانِ لبَني آدَمَ.
وفيه إشعارٌ بتَوهينِ كَيدِ الشَّيطانِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الحَلِفِ بعِزَّةِ اللهِ وجَلالِه.
وفيه كَرَمُ اللهِ تعالى وإحسانُه إلى خَلقِه لمَنِ استَغفرَ أنَّه يَغفِرُ له