حكم الحاكم بعلمه
سنن النسائي
أخبرنا عمران بن بكار بن راشد، قال: حدثنا علي بن عياش، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثني أبو الزناد، مما حدثه عبد الرحمن الأعرج، مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يحدث به، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقال: " بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا إلى سليمان بن داود، فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى " قال أبو هريرة: «والله ما سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية»
ضَرَبَ اللهُ تعالَى الأمثالَ للنَّاسِ لعلَّهم يَعقِلُون ويَتفَهَّمون ما أُنزِلَ إليهم، وكذلك فَعَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوَحيٍ مِن رَبِّه، فضَرَبَ الأمثالَ لأُمَّتِه ليُنَبِّهَهم بها على استِشعارِ الحَذَرِ، خَوفَ التَّورُّطِ في مَحارمِ اللهِ والوُقوعِ في مَعاصِيه
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لشِدَّةِ حِرصِه على هِدايةِ النَّاسِ، وشَفقتِه ورَحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهم، وشِدَّةِ عِنادِ النَّاسِ واتِّباعِهم لشَهواتِهم التي فيها هَلاكُهم، فيُبيِّنُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَثَلَه ومَثَلُ النَّاسِ كمَثَلِ رجُلٍ أوقَدَ نارًا، فلَمَّا أضاءَتْ هذه النَّارُ ما حَولَها، جَعَلَ الفَراشُ -جمْعُ فَراشةٍ- والدَّوابُّ التي تُشبِهُ البَعوضَ والجَرادَ ونَحْوَهما، يَسقُطْنَ في هذه النَّارِ المُوقَدةِ، وزاد في رِوايةٍ في الصَّحيحينِ: «فجَعَلَ يَنزِعُهنَّ، ويَغلِبْنَه فيَقتحِمْنَ فيها، فأنا آخِذٌ بحُجُزِكم عن النَّارِ، وهمْ يَقتحِمون فيها»، فحالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشَأنُه في دَعوةِ النَّاسِ إلى الإسلامِ، كحالِ المُنقِذِ لهم مِن النَّارِ مع إقبالِهم على ما تُزَيِّنُ لهمْ أنفُسُهم مِن التَّمادِي في الباطلِ والوَقوعِ في المعاصي المؤدِّيَةِ إلى النَّارِ