السعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله: أفعل ليستبين الحق
سنن النسائي
أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا شعيب بن الليث، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خرجت امرأتان معهما صبيان لهما، فعدا الذئب على إحداهما، فأخذ ولدها فأصبحتا تختصمان في الصبي الباقي إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى منهما، فمرتا على سليمان فقال: كيف أمركما؟ فقصتا عليه، فقال: ائتوني بالسكين أشق الغلام بينهما، فقالت الصغرى: أتشقه؟ قال: نعم، فقالت: لا تفعل، حظي منه لها، قال: هو ابنك فقضى به لها "
ضَرَبَ اللهُ تعالَى الأمثالَ للنَّاسِ لعلَّهم يَعقِلُون ويَتفَهَّمون ما أُنزِلَ إليهم، وكذلك فَعَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوَحيٍ مِن رَبِّه، فضَرَبَ الأمثالَ لأُمَّتِه ليُنَبِّهَهم بها على استِشعارِ الحَذَرِ، خَوفَ التَّورُّطِ في مَحارمِ اللهِ والوُقوعِ في مَعاصِيه
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لشِدَّةِ حِرصِه على هِدايةِ النَّاسِ، وشَفقتِه ورَحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهم، وشِدَّةِ عِنادِ النَّاسِ واتِّباعِهم لشَهواتِهم التي فيها هَلاكُهم، فيُبيِّنُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَثَلَه ومَثَلُ النَّاسِ كمَثَلِ رجُلٍ أوقَدَ نارًا، فلَمَّا أضاءَتْ هذه النَّارُ ما حَولَها، جَعَلَ الفَراشُ -جمْعُ فَراشةٍ- والدَّوابُّ التي تُشبِهُ البَعوضَ والجَرادَ ونَحْوَهما، يَسقُطْنَ في هذه النَّارِ المُوقَدةِ، وزاد في رِوايةٍ في الصَّحيحينِ: «فجَعَلَ يَنزِعُهنَّ، ويَغلِبْنَه فيَقتحِمْنَ فيها، فأنا آخِذٌ بحُجُزِكم عن النَّارِ، وهمْ يَقتحِمون فيها»، فحالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشَأنُه في دَعوةِ النَّاسِ إلى الإسلامِ، كحالِ المُنقِذِ لهم مِن النَّارِ مع إقبالِهم على ما تُزَيِّنُ لهمْ أنفُسُهم مِن التَّمادِي في الباطلِ والوَقوعِ في المعاصي المؤدِّيَةِ إلى النَّارِ