نقض الحاكم ما يحكم به غيره ممن هو مثله أو أجل منه
سنن النسائي
أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مسكين بن بكير، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خرجت امرأتان معهما ولداهما، فأخذ الذئب أحدهما، فاختصمتا في الولد إلى داود النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى به للكبرى منهما، فمرتا على سليمان عليه السلام، فقال: كيف قضى بينكما؟ قالت: قضى به للكبرى، قال سليمان: أقطعه بنصفين لهذه نصف، ولهذه نصف، قالت الكبرى: نعم، اقطعوه، فقالت الصغرى: لا تقطعه، هو ولدها، فقضى به للتي أبت أن يقطعه "
ضَرَبَ اللهُ تعالَى الأمثالَ للنَّاسِ لعلَّهم يَعقِلُون ويَتفَهَّمون ما أُنزِلَ إليهم، وكذلك فَعَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوَحيٍ مِن رَبِّه، فضَرَبَ الأمثالَ لأُمَّتِه ليُنَبِّهَهم بها على استِشعارِ الحَذَرِ، خَوفَ التَّورُّطِ في مَحارمِ اللهِ والوُقوعِ في مَعاصِيه
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لشِدَّةِ حِرصِه على هِدايةِ النَّاسِ، وشَفقتِه ورَحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهم، وشِدَّةِ عِنادِ النَّاسِ واتِّباعِهم لشَهواتِهم التي فيها هَلاكُهم، فيُبيِّنُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَثَلَه ومَثَلُ النَّاسِ كمَثَلِ رجُلٍ أوقَدَ نارًا، فلَمَّا أضاءَتْ هذه النَّارُ ما حَولَها، جَعَلَ الفَراشُ -جمْعُ فَراشةٍ- والدَّوابُّ التي تُشبِهُ البَعوضَ والجَرادَ ونَحْوَهما، يَسقُطْنَ في هذه النَّارِ المُوقَدةِ، وزاد في رِوايةٍ في الصَّحيحينِ: «فجَعَلَ يَنزِعُهنَّ، ويَغلِبْنَه فيَقتحِمْنَ فيها، فأنا آخِذٌ بحُجُزِكم عن النَّارِ، وهمْ يَقتحِمون فيها»، فحالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشَأنُه في دَعوةِ النَّاسِ إلى الإسلامِ، كحالِ المُنقِذِ لهم مِن النَّارِ مع إقبالِهم على ما تُزَيِّنُ لهمْ أنفُسُهم مِن التَّمادِي في الباطلِ والوَقوعِ في المعاصي المؤدِّيَةِ إلى النَّارِ