حكم الحاكم في داره
سنن النسائي
أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: أنبأنا يونس، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب، عن أبيه، أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان عليه فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيته فخرج إليهما فكشف ستر حجرته فنادى: «يا كعب» قال: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ضع من دينك هذا» وأومأ إلى الشطر، قال: قد فعلت قال: «قم فاقضه»
أمَرَتِ الشَّرِيعةُ المَدِينَ بحُسنِ قَضاءِ دَينِه والالتزامِ به، وأمَرَتِ الدَّائنَ أيضًا بالرِّفْقِ بالمَدِينِ
وفي هذا الحديث يَرْوي كَعْبُ بنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان له دَينٌ عندَ عبْدِ اللهِ بنِ أبِي حَدْرَدٍ، فطَلَب منه سَدَادَه، وكان ذلك في مَسجدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فارْتَفَعَتْ أصواتُهما في النِّقاشِ، فسَمِعَهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهُوَ في حُجرتِه، فخَرَج إليهما حتَّى كَشَف سِجْفَ حُجْرَتِه، وهو السِّتْرُ الذي عليها، فنَادَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ، فرَدَّ كَعْبٌ رَضيَ اللهُ عنه: لَبَّيْكَ يا رسولَ اللهِ، أي: أنَّه مُجيبٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِما يَأمُرُ، فأَشَارَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه أنْ يَحُطَّ نِصْفَ الدَّيْنِ عن ابنِ أبِي حَدْرَدٍ، فامْتَثَل كَعْبٌ رَضيَ اللهُ عنه لِمَا أشار به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَطَّ نِصْفَ دَيْنِه عنه، وهذا لم يكُنْ حكْمًا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لكعْبٍ بتَرْكِ نِصفِ حقِّه، بلْ أمْرُه على سَبيلِ البِرِّ والمساهَلةِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لابْنِ أبِي حَدْرَدٍ، «قُمْ فَاقْضِه»، أي: فسَدِّد ما عليك له مِن دَينٍ بعْدَ أنْ تَرَكَ لكَ نِصْفَه
وفي الحديثِ: فَضِيلةُ الصُّلحِ، وحُسْنُ التَّوسُّطِ بيْن المتخاصِمَيْن
وفيه: تَقَاضِي الدُّيُونِ وسائرُ الحقوقِ المالِيَّة في المسجدِ، وقَضاؤُها فيه
وفيه: مَشروعيَّةُ سُؤالِ المديونِ الدَّائنَ الحطَّ مِن صاحبِ الدَّينِ
وفيه: الشَّفاعةُ إلى أصحابِ الحُقوقِ، وقَبولُ الشَّفاعةِ في الخيرِ
وفيه: مَشروعيَّةُ تَدخُّلِ الحاكمِ للصُّلحِ بيْن النَّاسِ