درجة المجاهد في سبيل الله عز وجل 2
سنن النسائي
أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، قال: حدثنا زيد بن واقد، قال: حدثني بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئا، كان حقا على الله عز وجل أن يغفر له هاجرا ومات في مولده» فقلنا: يا رسول الله، ألا نخبر بها الناس فيستبشروا بها؟ فقال: «إن للجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ولولا أن أشق على المؤمنين، ولا أجد ما أحملهم عليه، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدُلُّ النَّاسَ على ما فيه صَلاحُ ورِفعةُ شَأنِهم في الدُّنيا والآخرةِ، فكان يَحُثُّ على مُجاهَدةِ أعداءِ الدِّينِ، وعلى مُجاهَدةِ النَّفسِ والشَّيطانِ، والإعراضِ عن استيفاءِ اللَّذَّاتِ العاجلةِ؛ حتَّى يكونَ للإنسانِ نَصيبٌ وافرٌ مِن دَرَجاتِ الآخرةِ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: «مَن رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نبيًّا»، أي: مَن اعتَقَد بقَلبِه وأقَرَّ بلِسانِه بكَونِ اللهِ سُبحانه ربًّا ومالكًا مع الرِّضَا بِرُبوبِيَّتِه سُبحانه، وأُلُوهِيَّتِه، والرِّضَا بدِينِه والتَّسلِيم له، واعتَقَد بقَلبِه وأقَرَّ بلِسانِه بأنَّ دِينَ الإسلامِ هو الدِّينُ الحقُّ، مع الرِّضَا برَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والانقِيادِ له، وماتَ على ذلك؛ «وَجَبَتْ له الجنَّةُ»، أي: ثَبَتَتْ وتَحقَّقَتْ له هذه البُشرى؛ فلا بُدَّ له مِن دُخولِ الجنَّةِ قطْعًا، وإنْ دخَلَ النَّارَ لاستيفاءِ ذُنوبٍ عليه لم يَخلُدْ فيها، فعَجِبَ أبو سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عنه لأجلِ هذه الكلماتِ؛ لِما فيها مِن عِظَمِ فَضلِ اللهِ على عِبادِه الموحِّدين، فطَلَبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعِيدَها عليه مرَّةً أُخرى، ولعلَّه أرادَ أنْ يَحفَظَها ويَستبشِرَ بها، فأعادَها عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدما أعادَها له: «وأُخرَى»، أي: وكَلِمَةٌ، أو فائِدَةٌ، أو خَصلةٌ أُخرَى مِمَّا يُتَعَجَّبُ لها، فيَتعيَّنُ أن يُرغَبَ فيها، وأجْرُها أنْ يَرْفَعَ اللهُ بها العبدَ مِائَةَ درجةٍ في الجنَّةِ، والدَّرجةُ المنزلةُ الرَّفيعةُ، ويُرادُ بها غُرَفُ الجنَّةِ ومَراتبُها الَّتي أعْلاها الفِردوسُ، «ما بيْنَ كلِّ درجتَيْنِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ»، وهذا يدُلُّ على أنَّ أنواعَ النِّعمِ على المتَّصفِ بهذه الخَصلةِ وثَوابَه يَتفاضَلُ تَفاضلًا كثيرًا، فسَأل أبو سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عنه عن تلكَ الخَصْلةِ الأُخرَى، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الجِهادُ في سَبِيلِ الله، الجِهادُ في سَبِيلِ الله» مرَّتَيْنِ، وفي هذا الأسلوبِ تَفخيمُ أمرِ الجهادِ، وتَعظيمُ شَأنِه، والمرادُ بالجهادِ هنا هو الَّذي يكونُ بالنَّفْسِ، فهو أعظَمُ أنواعِ الجهادِ
وفي الحديثِ: فضلُ الجِهادِ في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ
وفيه: ما أَعدَّه الله من ثوابٍ وأجرٍ للمجاهِدين في سبيلِه
وفيه: أنَّ مَن مات على التوحيدِ دخَل الجنَّةَ قطعًا